أحمد فاضل
هذا الكتاب يصلح بامتياز لكل من يهتم بدراسة السينما سواء أكان طالباً أو شغوفاً بها ، خاصة بفرعها المهم " اللقطة السينمائية " ، التي أولاها الكاتب والمخرج السينمائي حسين السلمان إهتمامه الواسع بها ، والذي يقول عنها :
" هنا في هذا التأمل أبحث عن الأهمية البصرية للسينما " ، الكتاب صدر حديثاً عن دار ومكتبة أوراق ببغداد هذا العام حمل عنوان " داخل الرؤية وخارجها : اللقطة السينمائية " وبواقع 310 صفحات من القطع الكبير ، يشرح السلمان الكاتب والمخرج والأستاذ وبأسلوبه السهل الممتنع هذه التقنية السينمائية التي تعتبر عامل نجاح لكل فيلم ، فيضعها تحت تصرف المهتمين بالشأن السينمائي حيث يقول :
" هنا يمكن القول إن الكتاب لا يحتاج القارئ ، بل القارئ هو الذي يحتاج إلى الكتاب ، لأن القارئ مطالب أن يدخل التجربة لا أن يظل مراقباً ومتفرجاً ، هو كتاب ينتمي إلى التأمل والتطبيق " .
وعندما يقول السلمان مستشهداً بكلام المخرج الهندي الكبير ساتياجيت راي : " المخرج سيبقى الشخص الوحيد الذي ينساب الفيلم في دماغه " ، فإنه يعني أنه الوحيد الذي يقود الفيلم بطاقمه من الممثلين والفنيين والعمال ، الذي يضع رسوماً تخطيطية للقطات السينمائية سواء كانت ليلية أم نهارية ، والزاوية التي يمكن الإنطلاق منها للتصوير ، فكل مخرج لديه لقطة رائعة تجعل من المشهد مشهداً لا لبس فيه ، والمخرجين الكبار لهم تأثير على تاريخ صناعة الأفلام ، حيث يقدمون أسلوباً ونهجاً تقنياً يصبحان علامة تجارية ، كنهج أكيرا كوروساوا في السرد القصصي لأبطاله ، وجورج لوكاس في اختيار عوالمه التخيلية ، وهيتشكوك في قيعان جرائمه السوداوية ، ومع ذلك ، يمكن لكل مخرج أسطوري أن يأخذ تأثيره ويخلق شيئاً جديداً تماماً ، فالطبيعة المرئية البحتة لصناعة الأفلام هي المكان الذي يبدأ فيه معظم صناع الأفلام بصنع بصماتهم .
السلمان ومن خلال كتابه هذا سوف يترك بصمة كبيرة من خلال تحليلاته لمفاهيم ومعايير اللقطة السينمائية ، لينتقل بعدها إلى تشريح كل مفهوم من مفاهيمها ، اللقطة في الصمت ، التي استحوذت على 67 صفحة مزودة بصور توضيحية لأهم أفلامها ومخرجيها ، اللقطة في الكلام ، 40 صفحة تكلم خلالها المؤلف عن أهميتها في خلق توازن إعجازي بعد انتقال السينما من الصامتة إلى الناطقة ، اللقطة في الزمن ، 22 صفحة استحوذت على شرحها ، يقول عنها : " إن هذا العنصر السينمائي المهم والذي أعمل عليه بشكل شخصي في مجال اختصاصي ، والذي وضعت له تخطيطاً خاصا ينصب فيه اهتمامي على عملية الإدراك التي يجب أن يتمتع بها المتلقي " ، إلى أن يقول : " وهذه حالة اعتمدت في دراستها على علم النفس التجريبي وعلم النفس الإدراكي ، إن هذا الفهم أو الإدراك تعتمد مرجعيته على شكل الوسائط الفيلمية – بنية الفيلم – والقدرات الذهنية للمتلقي " ، ثم يذهب السلمان لشرح الأطروحات الثلاث داخل نطاق المعرفة الإدراكية للمتلقي حتى وصوله إلى موضوعة حجم اللقطة في الزمن ، الحركة في اللقطة ، اللقطة في الزاوية ، اللقطة في الحوار ، اللقطة في عمق الميدان ، اللقطة في الإيقاع ، فاعلية اللقطة في التكوين ، اللقطة داخل القطع ، اللقطة الطويلة – اللقطة المشهدية ، وهي التي يطوي بها دراسته الطويلة مستشهداً بمقولة هيتشكوك : " أن ما أفعله هو أني أقرأ قصة مرة واحدة ، فإذا أعجبت بالفكرة الأساسية ، فإني أنسى الكتاب عامة وأبدأ في خلق سينما " .
مخرجنا السلمان اعتمد في وضع كتابه الضخم هذا على مراجع ومصادر عديدة بلغت 80 مصدراً ومرجعاً ، وهو جهد كبير يصب في مصلحة الدارس للسينما أولا ولمعجبيها اللذين يرمون الاستزادة في معرفة التقنيات العديدة في صناعتها ، هو سفر مهم نحتاجه فعلاً ونحن نعيش عصر السينما الساحر الذي لم تنطفأ شعلته منذ بدأت وبشكل رسمي عام 1895 بفضل الأخوة "لوميير" اللذان وضعا حجر الأساس لها ،عندما صنعوا أول آلة عرض سينمائي أواخر نفس العام و التي يمكن أن تسمى بأهم ليلة في تاريخ السينما والعالم .