علي حسين
أتخيل المواطن العراقي المسكين المحاصر بفايروس كورونا وشرور الطائفيين وصواريخ منتصف الليل وملاعيب ترامب ، وهو يتأمل وزير الصحة جعفر علاوي يخبره أن"وزارته" لا تملك إمكانيات لمواجھة فيروس كورونا في حال انتشاره كبقية الدول، و"لا يوجد لدينا علاج لھذا الفيروس،
وطلبنا من الحكومة 5 ملايين دولار، ولم نحصل عليھا لغاية الآن"، تخيل جنابك 5 ملايين دولار لا تستطيع الحكومة أن توفرها ، وهي التي أهدرت عبر العشر سنوات الأخيرة تريليون دولار في مشاريع وهمية، وتخيل جنابك أيضا أن دولة مثل مصر لا تملك موارد طبيعية وليس فيها ميزانيات انفجارية تخصص ستة مليارات من الدولارات لمواجهة هذا الفيروس القاتل، وسيفرك المواطن العراقي عينيه متسائلاً وهو ينظر إلى صورة عادل عبد المهدي يرتدي كمامة ويقرأ في الأخبار أن فيلم العظماء السبعة سيعيد عادل عبد المهدي إلى كرسي رئاسة الوزراء تحت شعار "لابديل لعادل سوى عادل".
ماذا كان يفضّل العراقيون حقاً: العدالة الاجتماعية والرفاهية والأمان، التي مايزال جميع السياسيين يتغنون بها من أجل الحصول على مزيد من الامتيازات والأموال المنهوبة والمناصب، أم الموت المجاني بسبب كون الحكومة تجد أن مبلغ الخمسة ملايين دولار حرام شرعا أن يصرف على معالجة مرض ممكن التخلص منه بالحرمل والأدعية والسماع لتوجيهات ابو علي الشيباني وزميله الشيخ علي السماوي .
ماذا حدث لـ"دولة الإصلاح"؟ أين غابت خطب النزاهة والشراكة والقضاء المستقل؟ بماذا يفكر العراقي وهو يرى المسؤولين الإيرانيين يسخرون من معاناته ويقولون له بكل بساطة لم يحن الوقت بعد لأن تصبح صاحب قرارٍ حرٍ في اختيار من يجلس على كرسي السلطة، فما زال هناك الكثير من الصواريخ الباليستية التي نريد أن نجربها؟! ماذا سيقول المواطن العراقي في نفسه ولنفسه عندما يرى أن أميركا تعتبر العراق أرضا مباحة تمارس عليها قنابلها؟، من أوصلنا إلى هذه الحالة التي لا تستطيع فيها الحكومة أن تمنع مهرجان الصواريخ، وتخاف من أن تقول لترامب كفى استهانة بدماء العراقيين؟.
يبدو الأمر سريالياً، ونوعاً من مسرحية عبثية لم يكتب مثلها حتى المرحوم صمويل بيكيت، في بلاد تعجز القوات الأمنية وتتخاذل عن إلقاء القبض على أحد"المفسدين"، لكنها تمارس هيبتها وسلطتها ورصاصها الحي ضد متظاهرين عزل.
بعد خمسة عشر عاماً من وصول إسلاميي العراق إلى السلطة، حصلت أحداث "سارة" في بلاد الرافدين. أبرزها أن استشهاد 600 متظاهر مواطن مهم في نظر "الحاجة" عالية نصيف ، وخطف اعلاميين وناشطين أمرفي غايه البساطة في نظر رئيس الوزراء ، لم تعد مسألة الإصلاح مهمة ولا ملاحقة الفاسدين، المهم أن الجميع يعتقد أن لا بديل عن عادل إلا عادل وبكمامته .