إلى قاسم مصلّح ماكنات السقي بأبي الخصيب
طالب عبد العزيز
بيديك المرتجفتين أصلحتَ شبكة السَّقي يا قاسم، أكملتَ الماء المتدفق تحكماً وصيرورةً، فسال أودية وشعابا، ها قد اعدت للتوت آماله ومباهجه، وللنخل ماضيه في الرفقة والقبول، ومن ساقية الى أخرى رحت تنقل ماسكة الأنابيب ووصلات الربط، ومُطْلِعةَ الأسنان عليها.
تقطعُ وتحفرُ وتشدُّ وتربط، ما أنت بسبّاك يعمل في البيوت، يبحث أحياناً عن غواية بين النساء، ولا أنت عامل في شركة للنفط، التي أكملتَ دراستك في معهدها كيما تكون موظفاً فيها، أنت خارج ذلك كله، فقد شنّعت على نفسك الانتماء الى حزب السطلة، آنذاك، هكذا رفضت الوظائف المدافة بدنانير الذل، وبقيت تصلح مكائن السقي في بساتين ابي الخصيب، يعصفر الزمنُ قميصك وسروالك، ويخضّب الزيتُ المحترق أصابعك وعلبة سجائرك وآماد يومك، حتى طبت مقيماً ساكناً، فأنست النخل والأنهار على شُحّها، انطبقتْ أخصاصُ السعف والقصب عليك، وآختك السواقي، صرت بعضها أو بعض من عليها، لذا أطلت المُكث هناك، فلا أتذكرك إلا محدودباً، لا التقيك إلا متأملاً، لا أودّعك إلا لكي التقيك .. فيا قاسم، يا مصلّح كل ماكنات السقي في أبي الخصيب: خذْ الـ 10 آلاف دينار ثمن صنيعك لي.
خذها، فأنا مُوسرٌ والله، عندي من النخل مئة ومئين، ومن الطابوق ما لا يحصى ويُعدُّ، ومن الشبابيك المشرعة على المشرق والمغرب ما يكفيني من الريح والاترج والجلنار، ومن الثياب ما يستر جسدي ويزيد، وراتبي في التقاعد تجاوز الـ 500 ألف دينار، أما أنت فما عندك ينقصُ ويفنى، أحالوك على التقاعد، وما زلت تحلمُ بالدراهم الخضر، توسعها انتظاراً، وكلما عبرت بدراجتك الهوائية ناحيتي تحسستُ حاجتك الى الطماطم والبصل والفاكهة والخضار، كلما أذلني بائع الليمون في دكانته تذكرتك، وكلما أنذرتني السماء برعودها ومطرها تذكرتُ بيتك الطين، كلما ارتدتْ زوجتي قميصاً للنوم أحمر تذكرتُ أنك بلا صاحبة في الفراش، بلا كيس محارم على الطاولة، فمالك لا تقاسمني محنة ما أنا فيه من السعة والدِّعة ياقاسم. خذ الـ 10 عشرة آلاف دينار، أرجوك، ودعني أخلد للنوم، فهذا وقت لإكرام الخمرة، وقت لإيفاء الكؤوس حقّها، وقتٌ لتبديد ما لا تبدده فاختةٌ بين النخل والأنهار.
يصلي قاسمٌ الخمسَ في بيته، فهو لا يدخلُ المسجد إلا لتعزية، ولا يخالط أحداً إلا من يأتمنه على بغضاء السياسة والساسة والمرابين، يعرف عن الجمل وصفين والنهروان أكثر مما يعرفه الطبريُّ، ويمتدح الشيوعية أمامي فيستدرك قائلاً : (لا، لأنني أحضرُ مجلسك) إنما لأنه يعرف عن كارل ماركس أكثر مما يعرفه عضو عتيد في محلية البصرة. تذكرته أمسِ، فأرسلت له بعضاً من أرقام لهواتف محسنين، هي مما يتداولها الناس على الصفحات الزرق، أعلنوا عن مستطاعهم في تقديم المال والأطعمة لمن ظلَّ في بيته خشية الوباء، الذي استفحل بالبصرة الأسبوعَ الماضي، وقد آثرته على كثيرين محتاجين حولي، فلم يجبني بنعم أو لا !! تركني في حيرتي ومضى الى حيرته.. يا قاسم، يا مصلّح ماكنات السقي في أبي الخصيب خذ الـ 10 عشرة آلاف دينار أرجوك خذها وإلا شكوتك الى الله.