TOP

جريدة المدى > سينما > تطبيقات دراميّة في الصراع والتضامن الاجتماعي

تطبيقات دراميّة في الصراع والتضامن الاجتماعي

نشر في: 1 إبريل, 2020: 06:08 م

مهنّد الخيكاني

بعد الكمّ الهائل من الأفلام والمسلسلات الذي شاهدناه في الخيال العلمي لم نعد نستغرب اليوم أحدث الأفكار والنظريات العلمية التي تتلاءم مع تلك المشاهدات ونرى فيها إنها احتمالات ممكنة التحقق .

إذ يبدو أن الصدمة ستكون أقل وطأةً على البشرية لكونها شهدت كل أنواع الطروحات في شتى المجالات ولن يصعب عليها أن تفهم الأفكار الرئيسة لما يتوقعه العلماء عن العالم بعد عقود وعقود ، كمن شاهد المستقبل و كأن البشرية أخذت دروساً خصوصية في التعامل مع الأوبئة والكوارث وبدايات ونهايات العالم... الخ وبالأخص من الناحية النفسية.

وهذا بالتأكيد يعود الى كون أغلب تلك الأفكار تستند على أسس علمية وإنسانية . لطالما تنبأت الشاشة بحدوث كارثة طبيعية أو من صنع البشر تضع الكرة الأرضية على المحك وتمحو البشرية ، كوارث بين مفاعلات نووية أو بايولوجية أو حربية أو بسبب ابتكار سلاح معين وهذه بالطبع بعض من سلبيات الاستخدام المنحرف للعلم . تمنحنا الأعمال الفنية الجيدة اختصارات لأطاريح كبرى عبر تجسدها في الشخوص والأحداث وبقية التفاصيل ، وهذه ميزة لا تتوافر في أي من الفنون الأخرى إلا بشكل جزئي . ولا أجمل بالنسبة لنا من تلك الأفلام والمسلسلات التي تحمل طاقة عالية في الاستشراف وما يمكن أن تصبح عليه المجتمعات البشرية القادمة وطبيعة الحياة الاجتماعية والثقافية في ظل تطور علمي وتكنلوجي ولا تكتفي بهذا الطرح ، بل تذهب الى أبعد من ذلك ، وتعرض للمشاهد حتى الظواهر السلبية الممكنة وفق هذه التغييرات . إذ أصبح من البديهي أن كل حقبة مهما كانت متطورة فهي لن تخلو من ظواهر تحتاج الى النقد وهكذا . من خلال الأفلام والمسلسلات تطبّق النظريات ونشاهد نقداً لتلك النظريات أيضاً وبما أن أغلب ما كتب كان عن الأفلام ستكون التطبيقات في هذه المقالة عن المسلسلات التي ينطبق عليها محور الحديث . 

مثلا في مسلسل walking dead ، في البداية واجه بعض الأفراد الخطر الجديد دون خبرة ، وتعلموا بالتدريج كيفية مواجهته ، عبر التعاون فيما بينهم ، وصهر الخلافات ، لكنهم ما ان استقروا الى جماعات وتجمعات متناثرة في أماكن وفّرت لهم الحماية ، حتى تحولوا الى القتال والصراعات والنهب بين جماعة وأخرى ، وتحول السياق العام المتوّج بصراع الإنسان و " الأموات السائرين " ، الى صراع بين الإنسان والإنسان على الموارد ، حيث لم تعد هناك مؤسسات ولا حكومات ولا ضوابط اجتماعية وثقافية أو أخلاقية ، ونتيجة لذلك ظهرت فيما بعد جماعة ، " الهامسون " ، وهذه الجماعة ترتدي وجوه الموتى" السائرون " كأقنعة ، وتتحرك مثل حركتهم في المشي والسلوك ، يصدرون أصواتًا هامسة فيما بينهم للتنبيه أو لتغيير الإتجاه ، وهم يقودون قطعانًا من السائرين ، بعد أن يندمجوا معهم ويستخدمونهم كسلاح لإرهاب الجماعات الأخرى . قائدة هذه الجماعة " ألفا " ، سنّت قوانين كان بضمنها ، محو الأسماء المتعارف عليها واستخدام بديل عنها ، يأكلون الحشرات ، ويؤمنون بأن الأرض والعالم الجديد هو عالم السائرين وعليهم أن يعيشوا معهم ويندمجوا بطريقتهم مع قطع الصلات العاطفية وتفكيك مفاهيم الأبوّة والأمومة وبقية المنظومات التي واجهوا صعوبة في مفارقتها ، كل ذلك بعد أن تحول العالم القديم الى خراب . فيما كانت تحاول التجمعات الاخرى ، صناعة مجتمعات إنسانية صغيرة بعد أن تجد الملاذ ، وتوفر البذور وأدوات الزراعة والحرث ، كي يتوقفوا عن الترحال المستمر في محاولة لإعادة الإنسان الى ما كان عليه . في هذه المرحلة أصبح من البديهي قتل أحد السائرين أو مجموعة منهم ، وانخفضت سلسلة الرعب المهيمن عدة حلقات .

أما في مسلسل the 100 ، حيث يتم إرسال 100 شخص من سفينة فضائية معدَّة للسكن والحياة الى الأرض المهجورة بعد تعرضها لانفجار نووي صيرها غير صالحة للعيش ، فيكتشف هؤلاء ال 100 وجود حياة على كوكب الأرض بعد هبوطهم ، وأن هناك تشوهات حصلت في بعض المناطق والحيوانات لكنها بشكل عام أصلح للعيش من الفضاء حيث بدأت مواردهم بالنقصان ولا تسد حاجتهم الى الحد الذي دعاهم الى اللجوء الى سياسة قضت بالتخلص من بعض الأفراد بين مدة وأخرى من أجل توفير الموارد والمحافظة على الجنس البشري من الانقراض . بعد مدة من هبوطهم على الأرض يكتشفون وجود أقوام غيرهم وكل جماعة منهم تعيش وفق عادات وتقاليد وقادة ، وبعد الكثير من الصراعات فيما بينهم ، صاروا يطلقون على القادمين من الفضاء ، قوم السماء ، فلكل قوم تسمية تخصهم، ثم يواجههم خطر كبير يهدد الأرض بأكملها بسبب مفاعلات نووية غير الخطر الأول الذي أعدم الحياة ، مما يضطرهم الى التوحد مجدداً ضد الخطر المشترك . وبعد أن يزول الخطر تعود الصراعات من جديد وتبدأ قصص أخرى في البحث عن مكان للعيش . بدأت هذه المسلسل ، في صراع على الموارد في السفينة الفضائية ، ثم أرسلوا ال 100 ، تضامنوا وتصارعوا في ذات الوقت فيما بينهم ، وتكاتفوا بعدما اكتشفوا وجود قبائل أخرى ، ونشبت صراعات دامية ، ثم توحدوا كقبائل وأقوام بعد أن هدّدهم خطر مشترك ، وعاد الصراع مجدداً ، أنها أشبه بدورة حياة للصراع والتضامن . 

وفي الإنمي الياباني dr.stone ، تتعرض الأرض الى نوع من الخطر لم يكتشف بعد ، يحيل الناس جميعا الى أحجار ، وبعد مرور قرون من تحجّرهم يبدؤون بالإفاقة من رقدتهم فرادى ، ومن ثم يبدأ " سينكو " المعروف بحبه للعلوم والاكتشافات باستخدام العلم في تلك المرحلة البدائية ما بعد نهاية العالم ، في محاولة لإعادة العالم الى ما كان عليه ، ويتضح التضامن من خلال جمع بعض رفاقه وإغراء آخرين لبناء مملكة العلم ، في تحدٍ مع الزمن والأدوات البسيطة ، لصناعة الأدوية وتوليد الطاقة وصناعة الأسلحة الحديثة لمواجهة الخطر المتمثل ببعض الأشخاص ممن استيقظوا إذ أنهم يفضلون العيش في عالم البدائية بعيداً عن مملكة العلم نتيجة للظلم الذي شهدوه في أيامهم السابقة فينشأ صراع بين رؤيتين تتصارعان في إيجابيات وسلبيات كل من الجانبين .

هناك أفلام ومسلسلات عديدة تناولت موضوعة الحياة ما بعد انتهاء العالم وكيف تنشأ من جديد ، وأنواع الصراعات والعقبات والسلوكيات المتوقعة في ضوء تلك الأحداث ، بالإضافة الى الوجود القلق الذي يعاني لكونه يعيش تناقضاً بين ما يعرفه عن العالم من تطور وعلوم ومعارف وبين واقعه الجديد الذي يضطر الى التكيّف معه .

ويتجلى هذان الصراعان بشكل صريح في مسلسل صراع العروش ، صراع الخير والشر ، والصراع على العرش الحديدي ، عندما ترتفع المطالب فيما بعد لوقف الصراع على التاج ، وضرورة توحيد القوى العسكرية لكل الأطراف المتناحرة كي يستطيعوا ردع "ملك الليل" الذي يتحكم بالموتى ويستغلهم من أجل السيطرة واحتلال العالم وتحويله الى موتى سائرين ، وما أن ينتصروا على عدوهم الأوحد يعودوا الى الصراع الذي بدأت وانتهت به المسلسل حول العرش .

إذ يبدو من خلال ذلك أن الإنسان قادر على فعل أي شيء ما أن يتعلق الأمر بنجاته ، النجاة لديه هي الأولوية وخلافاته وحاجاته وأفكاره وفلسفته كلها قابلة للتذويب والتغاضي عنها . ولهذا السبب بالتحديد كانت سياسات الحكومات الدكتاتورية ، تصب طاقاتها على إنهاك الشعوب وجعلها منشغلة دائماً بكيفيات العيش ، حتى لا يكون عندها الوقت الكافي للتخطيط والقتال واستبدال الحكم ، فهذا جزء كبير من طبيعة الإنسان الطموحة والجشعة أحياناً . هذه الأعمال الفنية مغامرة كبيرة وشائقة في رؤية العالم بينما هو ينسلخ من حال الى حال ، وبالأخص حين يعود الى المنطقة الصفرية ثقافيًا وحضارياً ، ذلك أنها تضع الإنسان أمام خيارين لا غير ، النجاة وتحقيق الحاجات ، وكلاهما مرتبط بالآخر .

وهناك على الجانب الآخر من الاحتمالات ، الأفلام والمسلسلات التي تناولت حياة ما بعد هذا العالم ولكن من الناحية الأكثر تطورا للعلم ، حيث تكون الهيمنة للأرقام والروبوتات والبايوتكنولوجي وتقنيات النانو ، ويتغير شكل المجتمعات وثقافاتهم وطبيعة عيشهم وشكل العائلة ومصادر الطاقة ، والميول نحو صناعة الإنسان السوبر مان . حيث يظهر لنا أن نهاية العالم وفق هذه الأعمال تنقسم الى قسمين ، نهاية تعود بنا الى البدائية مع وجود ذاكرة عما كان عليه العالم تنهض به من جديد ، ونهاية تقطع الصلة الى حد ما مع العالم الذي يسبقها لتبدأ رحلةً أكثر تطورا لها ايجابياتها وسلبياتها وفي كلتا النهايتين هناك صراعات ومحاولات للهيمنة وهناك محاولات للتكاتف والتضامن الاجتماعي لدرء المخاطر . بالتأكيد لا يمكن الأخذ بهذه الاحتمالات كحقائق دامغة ؛ ولكنّها احتمالات ممكنة الحدوث تسهل علينا الخوض في معرفة الاشكالات المترتبة إزاء كل تغيير يحصل . صدمة العالم إزاء كورونا وعدم استعداده للمواجهة ما هي إلا دليل على غروره وتناسيه أن كل الخيارات التي مهما رأت في نفسها الصح والصواب ، فإنها تحمل جانبا سلبيًا ، إلا إن هذا الجانب أحيانا يكون ظاهرا ويمكن تقديره قبل اتخاذ قرار معين ، بالاعتماد على نسبة الصواب الغالبة لنسبة السّلب ، وبعضها تبدو خيارات نقية وصافية ولا تعاني من أي خلل في وقتها ، لكنّها عبر السنوات تُظهر ما كان خفيا عبر تراكمه ، وهكذا . لا توجد هناك خيارات مثالية ما دمنا نتكهن بالمستقبل غير متيقنيّن وما دامت الكثير من المؤثرات خارجة عن إرادة الإنسان وحكمه . ويبدو أن مرض الإنسان المزمن هو طمعه في السلطة والمال وهما من سيقودان الكوكب في آخر المطاف الى حتفه ، إذ تبدو الصورة وفق هذا المنظار أنها تناقضات حتمية تحملها البشرية معها تتجسد عبر طائفتين رئيسيتين وما بينهما الملايين من الذين يطلبون العيش فقط ، طائفة تعمل من أجل الحياة والأرض والبيئة والإنسان ممثلةً بالعلماء والتنويريين بمختلف مجالاتهم ، وطائفة تعمل لأجل مصالحها لا غير ممثلةً بالحكومات والقادة والأغنياء الذين يؤثرون بالقرار السياسي لدواعي اقتصادية . ولولا وجود الطائفة الأولى المحاربة لأجل وجود انساني جماعي ضد نزعات وجودية فردية ، لما استمرت الحياة .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

القصة الكاملة لـ"العفو العام" من تعريف الإرهابي إلى "تبييض السجون"

الأزمة المالية في كردستان تؤدي إلى تراجع النشاطات الثقافية والفنية

شركات نفط تباشر بالمرحلة الثانية من مشروع تطوير حقل غرب القرنة

سيرك جواد الأسدي تطرح قضايا ساخنة في مسقط

العمود الثامن: بين الخالد والشهرستاني

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

فيلم (أنورا).. ذروةُ مُهَمَّشي سينما بيكر

ترشيح كورالي فارجيت لجائزة الغولدن غلوب عن فيلمها (المادة ): -النساء معتادات على الابتسام، وفي دواخلهن قصص مختلفة !

تجربة في المشاهدة .. يحيى عياش.. المهندس

مقالات ذات صلة

فيلم (أنورا).. ذروةُ مُهَمَّشي سينما بيكر
سينما

فيلم (أنورا).. ذروةُ مُهَمَّشي سينما بيكر

علي الياسريمنذ بداياته لَفَتَ المخرج الامريكي المستقل شون بيكر الانظار لوقائع افلامه بتلك اللمسة الزمنية المُتعلقة بالراهن الحياتي. اعتماده المضارع المستمر لاستعراض شخصياته التي تعيش لحظتها الانية ومن دون استرجاعات او تنبؤات جعله يقدم...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram