علي حسين
ينقسم العراق الجديد إلى قسمين: واحد يعشق الأحزاب ويهيم غراماً بزعمائها الذين انتفخت جيوبهم وأرصدتهم بعد عام 2003، وآخر يعشق العراق ويرفض أن يُدجّن ويُزدرى، ويحتقر الطائفية والهيمنة على مقدّرات البلاد،
وهناك بين هذا وذاك مَن يسمّون بالأغلبية الصامتة التي تذهب للانتخابات ليس حبّاً بفلان أو كرهاً لعلّان، لكنها تخاف على رزق أطفالها الذي يتحكم به مسؤولو العراق الجديد، الذين يتناسلون يوماً بعد آخر، في ألوان جديدة وطبعات جديدة، ولن يجرؤ أحد مهما علا شأنه أن يسألهم: ماذا تفعلون؟ لأنه سيُتّهم بالخيانة حتماً، وسيوضع اسمه إلى جانب اسم عدنان الزرفي الذي اكتشفنا والحمد لله أنه عميل.. تخيل جنابك، مسؤول يتولى هذه المناصب منذ عام 2003: "عضو هيئة الإعمار عام 2003، محافظ النجف عام 2004، عضو مجلس محافظة النجف 2006، مساعد شؤون الاستخبارات في وزارة الداخلية من عام 2006 إلى 2009، محافظ النجف من 2009 إلى 2012، ومحافظ النجف من 2012 إلى 2014.. وختمها بأن حصل على مقعد في مجلس النواب عام 2018.. فما بالك بكاتب مشاغب مثلي لا يعجبه العجب ولا الصيام في رجب؟، حتما سيكون عميلا إلى سابع جد.
والآن دعوني أسأل: لماذا الآن تم اكتشاف أن عدنان الزرفي عميل؟ وماذا ياسادة عن الصور الباسمة التي كان يلتقطها معه معظم المسؤولين؟، وكيف سُمح لعميل بأن يصبح محافظا لثلاث مرات؟، وأن يتولى منصبا حساسا في وزارة الداخلية؟ . أتمنى أن لا يعتقد البعض أن هذا المقال هو دفاع عن الزرفي، فأنا في هذا المكان بالذات سخرت من قرار مجلس محافظة النجف الذي صدر عام 2018 ببراءة عدنان الزرفي من ملفات الفساد .
أُعذروني فأنا في مرّات كثيرة لا أعرف ماذا أفعل حين أقرأ، أو أُشاهد مثل هذه الفعاليات "الطريفة"، هل أضحك من العبث والكوميديا السوداء؟، أم أصمت من شدّة الكآبة والحزن؟، من أبرز المضحكات والمبكيات التي تحاصرني هي أننا البلد الوحيد في العالم الذي تجاوز عدد الأحزاب فيه المئتين، ومعظمها أحزاب طائفية ودينية رفعت شعار "من خالفها فهو خائن وعميل". ومزقت ستارة الوئام والوفاق الوطني.
أيها العراقيين: إنسوا الديموقراطية العراقية الجديدة. وتعالوا نصر على حكومة لا تلغي أحداً ولا تخوِّن أحداً ولا تعزل أحداً، بل تدعو الجميع إلى المشاركة في إدارة الحياة وبناء المستقبل، تعالوا نتفق على أنّ مجلس النواب مكان للخدمة العامة، وليس للاحتيال والسرقة ، وكلّ ذلك لا يحتاج إلى 200 من الأحزاب التي جرّت البلاد إلى سرداب الخيبات وأنفاق العتمة التي لا ضوء في نهايتها.
دعوني أسأل: أيهما أفضل للناس،أن ينشغل ساسة البلاد في زمن الأوبئة بملف الصحة ، أم ببيانات التخوين وصواريخ منتصف الليل ؟