عدوية الهلالي
ماذا يمكن للكاتب أن يكتب عندما يكون محتجزاً ، وكيف ؟..هل يمكنه أن يمنح قلمه إجازة ، ربما ، لكن عقله سيظل مطلاً على العالم ..يمكنه إعادة اكتشاف ذاته والقيام برحلة خاصة داخل حجرته ..لكن زمن انتشار الوباء ليس وقتاً للابداع إذ لابد في البدء الاطمئنان على مصير الأحبة والتفكير في الآخرين ، ففي مثل هذه الأوقات الجحيمية ، لايمكن إلا أن نرتبط بالوعي الجماعي الذي يحركه الخوف اللاإرادي من الاوبئة ..
نحن من جيل نشأ في ظل الحروب ، وعلى الرغم من مخاطرها ، كان بعض الكتاب ينسجون كلماتهم في الملاجئ وكنا – كتاب المدن – نجيد الكتابة بعد سقوط صاروخ أو انفجار سيارة مفخخة ..لم نحلم يوماً بالسعادة التي صورتها لنا الكتب الخيالية بل كنا ننتزع سعادتنا المؤقتة من بين فكي الحرب ..
ولكن ..وفي زمن الفايروسات ، يصبح المشهد أكثر قتامة وكأن ألوانه جامدة وشخصياته تتحرك موضعياً بلا هدف ..ربما عبّر آراغون عن هذا الجمود عندما قال في احدى قصائده:" عندما تتعلم العيش ، يكون الوقت قد فات بالفعل " ، فعندما ننظر الى التقويم ، نكتشف أن هنالك موعداً تم الغاؤه ، واحداث حميمية مرت مرور الكرام ..وعندما ننظر الى الشارع يطالعنا الصمت القسري المحفوف بالقلق الذي احتوى مدننا وجعل الربيع يمر وحيداً وهو يتسلل إلينا حذراً على أطراف أصابعه ..
هنا ، لابد لنا أن نفكر في الكارثة ، ومانتج عن غرور البشر وغطرسته واهماله لكوكبه الجميل ، ففيه وحده يوجد التنفس والاوكسجين ، ولهذا يمكن أن نحدس الخطأ الرهيب الذي اصاب برمجيات العالم وخلق طلاقا بين الانسان والطبيعة ، فالأرض كما يبدو تتنفس بشكل أفضل بينما يهاجم الفايروس تنفس الانسان ويوقف أنشطته !!وهو مايرهب الانسان ويحيل العالم الى مايشبه فيلما من أفلام الخيال العلمي ، تلك الأفلام التي يقرر فيها الإنسان أن يدمر الأرض ويشيع الموت ..
لابد لنا أن نعترف أيضاً أن أولئك الذين يخاطرون بحياتهم لانقاذ حياة الآخرين من أطباء ومنقذين ومسعفين وممرضات هم أبطال هذه الحرب ، فلاشيء آخر يهم عندما يرتبط الأمر بانقاذ إنسان ..إنهم يعملون بنبل إنساني وشجاعة ويطالبوننا بعزلة تحمينا من الخطر ولاتستحق دعوتهم الاستخفاف بها وتجاهلها ..إذ ربما تكشف الأزمات حقيقتنا ، ويختبر الوباء انظمتنا الصحية وروحنا المدنية ووحدتنا الوطنية ، لكن العزلة القسرية ستكشف حتما حقيقة جديتنا في ممارسة دورنا الذاتي والوطني والانساني في حماية أنفسنا والآخرين والتضامن معهم ..عسى أن نتعلم كيف نعيش ، قبل أن يفوتنا الوقت ..