اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قناطر: الإنسان والإنسانية المهددة

قناطر: الإنسان والإنسانية المهددة

نشر في: 7 إبريل, 2020: 06:27 م

 طالب عبد العزيز

لم تعد المخاوف على الارث الانساني سرّيةً، بعد أن بات كل ما أنجز في الفكر والعلم والثقافة والفن خلال القرون الماضية عرضةً للفقد والضياع، وقد اتضحت لنا جميعاً هشاشة النظام الرأسمالي الحاكم في اوروبا وأمريكا، فما يحدث هناك ليس بالامر الهيّن،

ولا يمكن النظر اليه بوصفه عرضاً عابراً، أو أنه أزمة اقتصادية، مالية.. أبداً، الموضوع مختلف تماماً، وما فعل الكورونا أبعد من أن يكون مرضاً، وباءً، جائحةً.. نحن أمام هزيمة حضارية ستعصف بما اشتغل عليه الانسان منذ الخليقة الى اليوم.

هل بدونا متشائمين جداً؟ نعم. فالكل يعرف أنَّ زعامة امريكا للعالم باتت مهددة بالكامل، ولا شأن لنا بالتنين الصيني هنا، الذي ربما يكون البديل، لا، أبداً، فأمريكا لن تتخلى عن زعامة العالم بهذا اليسر، والتقارير المالية من هناك تشير الى ديون خرافية، تعجز الشركات الكبرى التي تهمين على القرار الاقتصادي- السياسي الامريكي عن سدادها، والبرامج الحاكمة، التي خططت لها الادارات في واشنطن ونيويورك لا يمكن التفريط بها أمام الزحف الصيني. وسط الحمم البركانية هذه لن نكون معنيين، نحن -معشر الحالمين- إلا بإرث الانسان، الذي خلّد الخلق باجمل وأهم الأعمال. ترى ماذا لو أسقطت قنبلة ذرية على مدينة جميلة مثل باريس، أو روما، أو لندن اوأمستردام او مدريد.. وتحولت الشوارع والاسواق وأعظم التحف الفنية في المتاحف الى ركام ذري، لا يمكن تفاديه؟

قد يحاول العقل الفكري –الثقافي منع حدوث الانهيار هذا، بفعل تعامله الجمالي مع الاشياء، لكن العقل المالي وشركات النفط الكبرى والبنك الدولي وأسرة روتشيلد وسواها لن يكونوا معنيين بما سيؤول اليه متحف اللوفر والمونمارتر ومتحف برلين وساحة النافونا بروما واكسفورد ستي ومكتبة نيويورك وكنيسة القديس أوغسطين وغيرها، هناك معادلة صعبة لن يسمع فيها رأس المال الى الفن. هناك من لا يصغي لنداء أرواحنا، نحن المتعلقين بالجمال وقيمه العليا في الحياة، نحن نعيش محنة حقيقية لم ترد في تاريخ الانسانية، إذ كل ما تعارفنا عليه من قيم للجمال سيكون عرضة للانيهار، ولن تخدعنا البنوك وشركات المال بوعودها، لن يسمع نداءنا الانساني رجال الاعمال الكبار، الذين ستنهار شركاتهم. هناك قضية اكبر من تفكيرنا سيكون تفاديها صعباً.

وبعبارة قاصرة تماماً عن فهم ما سيحدث ستكون الانسانية هي الخاسر الوحيد، وستكون الحضارة التي رعتها وقدمتها الرأسمالية الامريكية -الاوروبية لنا كذبةً كبيرةً، بعد أن أثبتت التجارب هناك بان العقل الاقتصادي الحاكم غير مؤتمن على قيم ومبادئ الانسانية الى الاخير، وهنا يتوجب التفريق بين ما أنجز في الفن والثقافة والفكر وبين ما انجزته الشركات الكبرى من أسلحة التدمير والفناء. كان بناء المجتمعات على أساس استهلاك طاقاتها واستنفادها بغض النظرعن الشروط الانسانية، واحداً من أسوأ ما أنتجته الرأسمالية، كيف لا وقد اتضح لنا بأن الانسان ليس قيمة عليا، بل ويمكن التضحية به إذا اقتضت الضرورة الربحية، وكان سببا في خسارة الشركات الكبرى، وهذا ما يحدث لعالمنا بالفعل.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. Anonymous

    اخي الكريم..لم نعهد منك.(شحنة)التشاؤم...بل كانت كتاباتك فسحة للتفاؤل نستمد منها بعض الامل يعيننا لتجاوز كل هذا القبح و الرثاثة السياسية ..تحياتي وتمنياتي بالصحة و الخير للجميع

يحدث الآن

للحفاظ على «الهدنة».. تسريبات بإعلان وشيك عن موعد انسحاب القوات الأمريكية

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

قناديل: أما كفاكُمْ تقطيعاً بأوصال الوردي؟

التجنيس الأدبي والاكتفاء الذاتي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

من دفتر الذكريات

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

 علي حسين في ملحمته الإلياذة يروي لنا الشاعر الاغريقي هوميروس كيف أن أسوار مدينة طروادة كانت عصيّة على الجيوش الغازية . فما كان من هؤلاء إلا أن لجأوا إلى الحيلة فقرروا أن يبنوا...
علي حسين

قناديل: أما كفاكُمْ تقطيعاً بأوصال الوردي؟

 لطفية الدليمي غريبٌ هذا الهجومُ الذي يطالُ الراحل (علي الوردي) بعد قرابة الثلاثة عقود على رحيله.يبدو أنّ بعضنا لا يريد للراحلين أن ينعموا بهدوء الرقود الابدي بعد أن عكّر حياتهم وجعلها جحيماً وهُمْ...
لطفية الدليمي

قناطر: من وصايا أبي المحن البصري

طالب عبد العزيز هذا ما كتبه ابو المحن المحسود البصريّ لاِبنهِ ذي الهمّة، الذي واصل الليل بالنهار، متصفحاً خرائط المدن والاسفار، عاقداً وشيعة الامل بالانتظار، شاخصاً بعينه الكليلة النظيفة، متطلعاً الى من يأخذ بيده...
طالب عبد العزيز

ريادة الأعمال.. نحو حاضنة شفافة

ثامر الهيمص مخرجات الشفافية, تمتاز عن غيرها, بأن ردود الفعل تأتي انية في النظر او العمل, مما يجعلها تمضي بوضوحها مستفيدة من هنات وليس عثرات تراكمت اسبابها مسبقا في عالم الا شفافية, اللهم الا...
ثامر الهيمص
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram