طالب عبد العزيز
لم تعد المخاوف على الارث الانساني سرّيةً، بعد أن بات كل ما أنجز في الفكر والعلم والثقافة والفن خلال القرون الماضية عرضةً للفقد والضياع، وقد اتضحت لنا جميعاً هشاشة النظام الرأسمالي الحاكم في اوروبا وأمريكا، فما يحدث هناك ليس بالامر الهيّن،
ولا يمكن النظر اليه بوصفه عرضاً عابراً، أو أنه أزمة اقتصادية، مالية.. أبداً، الموضوع مختلف تماماً، وما فعل الكورونا أبعد من أن يكون مرضاً، وباءً، جائحةً.. نحن أمام هزيمة حضارية ستعصف بما اشتغل عليه الانسان منذ الخليقة الى اليوم.
هل بدونا متشائمين جداً؟ نعم. فالكل يعرف أنَّ زعامة امريكا للعالم باتت مهددة بالكامل، ولا شأن لنا بالتنين الصيني هنا، الذي ربما يكون البديل، لا، أبداً، فأمريكا لن تتخلى عن زعامة العالم بهذا اليسر، والتقارير المالية من هناك تشير الى ديون خرافية، تعجز الشركات الكبرى التي تهمين على القرار الاقتصادي- السياسي الامريكي عن سدادها، والبرامج الحاكمة، التي خططت لها الادارات في واشنطن ونيويورك لا يمكن التفريط بها أمام الزحف الصيني. وسط الحمم البركانية هذه لن نكون معنيين، نحن -معشر الحالمين- إلا بإرث الانسان، الذي خلّد الخلق باجمل وأهم الأعمال. ترى ماذا لو أسقطت قنبلة ذرية على مدينة جميلة مثل باريس، أو روما، أو لندن اوأمستردام او مدريد.. وتحولت الشوارع والاسواق وأعظم التحف الفنية في المتاحف الى ركام ذري، لا يمكن تفاديه؟
قد يحاول العقل الفكري –الثقافي منع حدوث الانهيار هذا، بفعل تعامله الجمالي مع الاشياء، لكن العقل المالي وشركات النفط الكبرى والبنك الدولي وأسرة روتشيلد وسواها لن يكونوا معنيين بما سيؤول اليه متحف اللوفر والمونمارتر ومتحف برلين وساحة النافونا بروما واكسفورد ستي ومكتبة نيويورك وكنيسة القديس أوغسطين وغيرها، هناك معادلة صعبة لن يسمع فيها رأس المال الى الفن. هناك من لا يصغي لنداء أرواحنا، نحن المتعلقين بالجمال وقيمه العليا في الحياة، نحن نعيش محنة حقيقية لم ترد في تاريخ الانسانية، إذ كل ما تعارفنا عليه من قيم للجمال سيكون عرضة للانيهار، ولن تخدعنا البنوك وشركات المال بوعودها، لن يسمع نداءنا الانساني رجال الاعمال الكبار، الذين ستنهار شركاتهم. هناك قضية اكبر من تفكيرنا سيكون تفاديها صعباً.
وبعبارة قاصرة تماماً عن فهم ما سيحدث ستكون الانسانية هي الخاسر الوحيد، وستكون الحضارة التي رعتها وقدمتها الرأسمالية الامريكية -الاوروبية لنا كذبةً كبيرةً، بعد أن أثبتت التجارب هناك بان العقل الاقتصادي الحاكم غير مؤتمن على قيم ومبادئ الانسانية الى الاخير، وهنا يتوجب التفريق بين ما أنجز في الفن والثقافة والفكر وبين ما انجزته الشركات الكبرى من أسلحة التدمير والفناء. كان بناء المجتمعات على أساس استهلاك طاقاتها واستنفادها بغض النظرعن الشروط الانسانية، واحداً من أسوأ ما أنتجته الرأسمالية، كيف لا وقد اتضح لنا بأن الانسان ليس قيمة عليا، بل ويمكن التضحية به إذا اقتضت الضرورة الربحية، وكان سببا في خسارة الشركات الكبرى، وهذا ما يحدث لعالمنا بالفعل.
جميع التعليقات 1
Anonymous
اخي الكريم..لم نعهد منك.(شحنة)التشاؤم...بل كانت كتاباتك فسحة للتفاؤل نستمد منها بعض الامل يعيننا لتجاوز كل هذا القبح و الرثاثة السياسية ..تحياتي وتمنياتي بالصحة و الخير للجميع