علاء حسن
في التاسع من نيسان عام 2003 تعرض العراق الى زلزال من نوع آخر لا يمكن قياسه بمقياس ريختر الشهير ، فالإطاحة بالنظام السابق بعملية عسكرية نفذها التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة كانت حدثاً عده مسؤولو الإدارة الأميركية وقتذاك،
بانه سيكون بداية مرحلة الانتقال من النظام الشمولي الى فضاء الحرية والديمقراطية وإرساء قواعد بناء دولة مدنية تحترم حقوق الإنسان وتحقق التنمية ، وتعتمد مبدأ التداول السلمي للسلطة عبر صناديق الاقتراع.
جندي المارينز انتبه في اللحظات الأخيرة الى وضع العلم العراقي بدلاً من الاميركي على تمثال صدام بساحة الفردوس قبل إسقاطه بعجلة مدرعة ، وسط حضور أهالي الأحياء القريبة للاطلاع على مشهد لم يرد حتى في أحلامهم ، وسائل الإعلام من فضائيات عربية وأجنبية كان مراسلوها يقيمون في فندقين قريبين من الساحة نقلوا الحدث مباشرة ، فتوفرت فرصة للمشاهدين في دول خارجية لمشاهدة سقوط التمثال قبل العراقيين لأسباب تتعلق بتدمير محطات الطاقة الكهربائية، ونزوح أغلبهم الى مناطق اخرى خارج العاصمة.
زلزال تسعة أربعة بدأ بسقوط التمثال ثم تسارعت الأحداث، فحرمت من كان حاضراً في ساحة الفردوس من تأمل المشهد ورسم تصوراته الخاصة لمرحلة مقبلة ، ارتسمت على الوجوه ملامح تساؤلات كبيرة ، ربما لم تجد أجوبتها حتى بعد مرور سنوات على الحدث ، الدبابات والمدرعات أغلقت معظم شوارع العاصمة ، وبعضها تمركز بالقصر الجمهوري ، غاب المسؤولون واختفى رجال الاجهزة الأمنية مع عجلاتهم، ووزير الإعلام محمد سعيد الصحاف توارى عن الإنظار.
ارتفعت سحب دخان الحرائق في سماء بغداد بيوم الزلزال، أول مبنى تعرض للحرق مقر اللجنة الاولمبية ، والمشهد على الأرض يكشف عن انتشار مسلحين ، وبداية صفحة السلب والنهب ، الكراسي المتحركة في الدوائر الرسمية، حملت اجهزة الكومبيوترات والمكيفات المسروقة ، لم تسلم دائرة حكومية من السرقة ، أمام أنظار قوات الاحتلال الاميركي، وبوصول نزلاء مستشفى الرشاد الشماعية الى ساحة التحرير ، انتقل الجنون الى الآخرين ، فاندحر العقل ، وفضل الانزواء الى حين اختفاء أصوات اطلاق النار .
إذاعة قوات التحالف كانت تبث أخبارها بصوت مذيعة لا تجيد نطق اللغة العربية تتبعها باقة من الأغنيات العراقية القديمة ، تعود المذيعة لتقديم نصائح وارشادات للمستمعين بالابتعاد عن مواقع العمليات العسكرية ثم زفت بشرى وصول الجنرال كارنر ومساعدته بربارة لإدارة شؤون البلاد، فيما واصلت وسائل الإعلام تسليط الضوء على عمليات السلب والنهب ، وسرقة مقتنيات المتحف وتوجه قوة عسكرية اميركية لحماية وزارة النفط.
زلزال تسعة أربعة خلّف تداعيات في الساحة العراقية أبرز مظاهرها اندلاع العنف الطائفي ، والانقسام الطائفي ، وهيمنة نخب سياسية على المشهد فشلت في إدارة البلاد ، وجعلته كعصف مأكول ، تولّت مهمة كتابة الدستور فجعلت العراقيين يطبخون الحديدة منتظرين تناول المرق ، مع باقة من الأغنيات واللطميات .