TOP

جريدة المدى > عام >

نشر في: 11 إبريل, 2020: 05:32 م

عباس الحسيني

إذا ذكرت مخيلة المكان ، ذُكر رفعة الجادرجي ، كما أشار فيلسوف الجمال الفرنسي غاستون باشلار، إلى أن البيت هو كوننا الأول .

وهكذا يبقى الكائن هائماً في عوالم شغل المكان ، فتارة يبرزه إلى المحسوس والمجسد ، ويحيله تارة أخرى ، إلى اللا محسوس والمجرد ، وهو ما ما سار عليه الرائد في فن العمارة العراقية والعالمية المهندس الرمز ، رفعة الجادرجي ، والذي الهم الكثيرين من جيل زها حديد وخالد الرحال وإسماعيل فتاح الترك ، وعبر فكرة استلهام التراث ليبدو سيداً في فضاء المعاصرة ، وبالإحالة إلى البناء ، والتركيز على الخرسانات والطابوق بلونه الطبيعي الشمسي ، والذي يبدو أكثر إشراقا وازدهارا في المخيلة الإنسانية ، وعلى الرغم من أطر الحداثة التي درسها ودرّسها وعمل عليها الراحل رفعة الجادرجي ، إلا أنه وضع لمسات كونية لا تتكرر ، من خلال قراءته الذكية لطبيعة المكان والاسماء والأشكال التي تسبح في فضاء التكوين ، ليبدو العمل العمراني لوحة كاملة المعاني وتامة الإجابات . 

استحث رفعة الجادرجي الذاكرة الجمعية بما هو باطني ، كما في نصب الشهيد الأول ، حيث الانحناء على مشهد الحدث ، وتحويل المنجز الدموي للاستشهاد إلى نبوءة متكررة ومجردة ، تلوح كبيرق ممزق الأطراف ، فيما التدوير الكوني للزمن ، والمكان الراسخ في ذاكرة العقل الجمعي. 

في تصاميمه العباسية المنطلق ، عبر الإيوانات والمنحنيات والأقواس ، أعاد الجادرچي حكايا ألف ليلة وليلة بمسارات ملونة تبرز قدرة التاريخ على المثول والإبداع ، حديث تسمح الطفرة الوراثية لبنايات الرشيد وقصر الأخيضر وقصر الكوفة وأبي نواس ... إلى محطات تبرز أهمية المكان بوصفه باعثًاً على تخصيب الذاكرة الإنسانية ، وهو ما جعل تلك الرموز والتشكيلات رمزًا للثورات الشعبية والانتفاضات الوطنية وملاذاً للمغتربين والمنفيين والشعراء والأدباء والفنانين على حد سواء.

رفعة الجادرجي معلم نادر استطاع أن يكون وبمعية جيل معاصر له، منفذاً للتربع على عرش القارة الآسيوية في التشكيل والعمارة ، وهو ما جعل من ريشة الفنان العراقي ، عالماً خصباً للتاريخ والطين والإنسان والماء والتحول .

نمْ قرير العين أيها المعلم الرمز والمهندس الفنان والعراقي الخصب .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

مقالات ذات صلة

الاعتياد على مسالك الحياة السهلة:  صفقة مع الخطر
عام

الاعتياد على مسالك الحياة السهلة: صفقة مع الخطر

ألِكْس كورمي* ترجمة: لطفية الدليمي بينما أكتب الآن هذه الكلمات يرسلُ هاتفي النقّالُ بطريقة لاسلكية بعضاً من أعظم ألحان القرن الثامن عشر (مؤلفها الموسيقار العظيم باخ لو كنت تريد معرفة ذلك!!) إلى مكبّر الصوت...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram