سهيل سامي
لمرتين اثنين كتبت عن رفعة الجادرجي بطريقة نقدية لا تخلو من قسوة وغضب . في المرة الأولى تناولت مشروعه في تصميم العلم العراقي ،
وفي المرة الثانية تناولت مشروع إعادة نصب الجندي المجهول الذي أزاله النظام السابق . في المرتين كانت الدوافع السياسية – الثقافية تعمل قبل الفنية والجمالية ، ليس لرغبة مني، ولا لمنهج اخترته ، بل بسبب الوضعية التاريخية التي كانت تعمل ضد الأفكار الأساسية لكلينا : أنا ورفعة الجادرجي !
إذ أشرك رفعة الجادرجي معي فلأني أعرف أفقه المستنير الواسع الذي ما كان يقبل ما يحدث في بلده . وكنت على أية حال أقرب منه إلى ما كان يجري فيه من مآسٍ ، ومعرفة بالاتجاهات التي يذهب بها مدفوعاً بانقسام سياسي طائفي .
لست بصدد الدفاع عن نقدي ذاك . بل إنني إزاء ما أحبه من أعمال الجادرجي ، وما أعرف عن ثقافته الفذة ، لا أرى في المشاريع المنتقدة من قبلي ، ونقدي نفسه ، سوى لحظة عابرة في تاريخ مليء بالانجازات المعمارية والثقافية التي تشكل فخرنا الوطني.
أنا أحد المعجبين بأعمل رفعة الجادرجي المعمارية ، بل المحبين ، وأمتلك تذكارات شخصية عنها ، وأراها ، أحد المعالم الثقافية والفنية المثيرة في الحياة العراقية . ولأنني معني بالفن التشكيلي العراقي ، وجدت أن رفعة الجادرجي هو النظير الفكري والثقافي لجدلية جواد ىسليم وجماعته البغدادية ، وبسبب ثقافياته المركبة كان الأكثر تعبيراً عن هذه الجدلية التي تجمع ما بين الحداثة والتعابير المحلية ، وتفاعلهما معاً ، وظهور تجريبية منتجة منهما ، قدّمت اقتراحات وحلولاً جمالية مثيرة .
أعتقد أن كلاً من جواد سليم ورفعة الجادرجي فكّرا منفصلين ، وكلُ واحد على طريقته ، وتبعاً لطبيعة عملهما والمواد المستخدمة ، بإقامة منشأة ثقافية وفنية بغدادية أو عراقية . وأرى أن الاثنين اعتقدا ،عن وعي ودراسة ، وتقديم أمثلة ، بوجود طراز بغدادي أو عراقي جميل ، فيه موحيات وتعابير هائلة ، قابل للوصف ، قابل للتطوير ، وقادر على توليد عناصر ثقافية وفنية إذا ما درسناه بطريقة حداثوية .
الاثنان بررا هذا المشروع ، أو جسداه ، بأعمال موحية . أفكر هنا بعمارة انحصار التبغ في باب المعظم ،التي هي مشهد عريض مصغّر لمدينة أحلام تتكاثر فيه المداخل المقوّسة حتى لا نعرف أين هو المدخل ، ومسجد الكوفة لجواد سليم الكلي التجريد الذي تجتمع فيه الأقوس والأهلّة والأشكال الرمزية كأنها مجمع كبير للقياسات الخاصة بمدينة أحلامه .
ستبقى ذكرى الجادرجي عطرة