اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قناطر: في ما نكتب ولا نكتب

قناطر: في ما نكتب ولا نكتب

نشر في: 11 إبريل, 2020: 05:57 م

 طالب عبد العزيز

في جزء مما أحاول تدوينه كمذكرات، شبه يومية، أنني أكتب ما تناثر عنّي في اليوم من وقائع ثانوية، لا قيمة لها، تقع خارج الكتابة بالثقافة والفن، في هروب واضح من الغوص في التفاصيل،

ذات التماس المباشر بحياتي في الشعر والدين والسياسة وموجبات الكتابة وأسباب ضجري اليومي، والحصار الذي تفرضه الاشترطات الاجتماعية والدينية، ولهذا انشطر يومياً، بعيداً عن مشروعي الشخصي في التدوين والتناول الحقيقي في الكتابة. أشعر بضياع وفقدان الكثير من القصائد والمشاريع الكتابية بالغة الأهمية، لعلمي بانني لو كتبتها ستكون إرثاً سيئاً للعائلة، وقد أضع نفسي وأسرتي في الموضع السيء إجتماعياً ودينياً، هذا إذا لم أعرضهم لخطر حقيقي.

هل أجرؤ أن أقول برأيي في المقدس والكتب السماوية والموروث الديني كله؟ هل أسمّي الرجال والنساء الذين يستحقون مني الإجلال مرةً والإذلال مرة أخرى؟ هل يتسنى لي الحديث عن الكتب التي قرأتها ووجدتها تافهة، لا تستحق الوقت وآلام الرقبة وكلل العين، ولا استثني المقدس منها، أو التي خطّها الكبار المحترمون وغير المحترمين، بمثل هذه وتلك كم سيتوجب عليّ أن أجاهر بمحبة وكراهية من مرّوا بحياتي كراماً أو إذلاء. لماذا لا تبدو الحياة في شرقنا المتوسطي بأكثر من طعم ولون ورائحة، ولماذا تظل صورة ما أُطْلِعْنا عليه ذات يوم نمطية حتى النهاية، وهذا الكون يضطرب ويتغير كل ساعة.

من السخف أن يظل المفكر والشاعر والفنان أسارى قيدهم الاجتماعي- الديني، على حساب حياتهم في صناعة وترسيخ قيم الجمال، في المدينة حيث اعيش، هناك أكثر من موسيقي وشاعر وفنان وممن يدعون الاشتغال في الثقافة، لكنهم أين؟ صامتون، منزوون. الموسيقي يخجل من حمل آلته، والشاعر يحرص على حضور المناسبة الدينية، ويمتدح رجل الدين ويفرح إذ يرحب به في مجلس السياسة، وإذا بالغ بشجاعته ذهب الى طلاسمه وأحاجيه، لا يقترب من المتن ولا يريد أن يسقط في الهامش، كذلك يفعل المثقف (العضوي) والاستاذ في الجامعة وأغلب المشتغلين في الوعي. هناك أكثر من شيء يُطمس في حقيقة وجودنا كنخب مثقفة، نحن غير أمناء على ما أستودعنا.

يا للسخف، أنا أيضاً كتبتُ عن المطر الذي سقط مفارقاً أحايينه أمس، وكتبتُ عن الريح التي لم تعصف قويةً بالنخلة الطويلة التي خلف داري على النهر، وكتبتُ عن صيادي السمك بالفاو، الذين خذلتهم نشرة احوال الطقس، أنظروا، لم اكتب عن مهربي النفط في الميناء الذي مروا به، في طريقهم الى البحر، لم أكتب عن المحافظ، الذي لم يحقق في مقاتل البصريين بساحة البحرية حتى، لم أكتب عن المرأة التي كنتُ رفقتها ذات يوم، في القطار الصاعد الى بغداد، وقد سرق الجنود حقيبتينا، لم أكتب عن شعرها الليلي الطويل، عن صدرها بحلمتيه الداكنتين،عن ساقيها،وهما يضطربان تحتي غلمةً وشبقاً، يا للخيبة، لم أقل بأنهما جديران بالإحتضان والقُبل الى اليوم، وقد مضت السنوات.

ما لم نكتب عن حقيقتنا في الحب والخمرة والنساء لن يكون لوجودنا معنى هنا. أيها السيد ستاندال، لقد فقدت كتابك (الأحمر والأسود) في الحقيبة التي سرقها الجنود أيضاً، فقدت جوليان سوريل، الذي طالما حلمت أن أكونه.

 

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

للحفاظ على «الهدنة».. تسريبات بإعلان وشيك عن موعد انسحاب القوات الأمريكية

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

قناديل: أما كفاكُمْ تقطيعاً بأوصال الوردي؟

التجنيس الأدبي والاكتفاء الذاتي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

من دفتر الذكريات

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

 علي حسين في ملحمته الإلياذة يروي لنا الشاعر الاغريقي هوميروس كيف أن أسوار مدينة طروادة كانت عصيّة على الجيوش الغازية . فما كان من هؤلاء إلا أن لجأوا إلى الحيلة فقرروا أن يبنوا...
علي حسين

قناديل: أما كفاكُمْ تقطيعاً بأوصال الوردي؟

 لطفية الدليمي غريبٌ هذا الهجومُ الذي يطالُ الراحل (علي الوردي) بعد قرابة الثلاثة عقود على رحيله.يبدو أنّ بعضنا لا يريد للراحلين أن ينعموا بهدوء الرقود الابدي بعد أن عكّر حياتهم وجعلها جحيماً وهُمْ...
لطفية الدليمي

قناطر: من وصايا أبي المحن البصري

طالب عبد العزيز هذا ما كتبه ابو المحن المحسود البصريّ لاِبنهِ ذي الهمّة، الذي واصل الليل بالنهار، متصفحاً خرائط المدن والاسفار، عاقداً وشيعة الامل بالانتظار، شاخصاً بعينه الكليلة النظيفة، متطلعاً الى من يأخذ بيده...
طالب عبد العزيز

ريادة الأعمال.. نحو حاضنة شفافة

ثامر الهيمص مخرجات الشفافية, تمتاز عن غيرها, بأن ردود الفعل تأتي انية في النظر او العمل, مما يجعلها تمضي بوضوحها مستفيدة من هنات وليس عثرات تراكمت اسبابها مسبقا في عالم الا شفافية, اللهم الا...
ثامر الهيمص
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram