اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > العمود الثامن: فـي غياب عاشق بغداد

العمود الثامن: فـي غياب عاشق بغداد

نشر في: 11 إبريل, 2020: 09:16 م

 علي حسين

في الوقت الذي نرثي فيه الراحل الكبير رفعة الجادرجي ونودعه كما نودع الكبار ، يغمرنا الشعور بالرثاء لبغداد وهي تدخل كل عام قائمة المدن التعيسة . بغداد التي ظل رفعة الجادرجي يصغي الى صوتها كثيراً ، ويكتشف روحها في حركة الناس ، وفي ضحكاتهم ، وفي الطابوق والخشب وزرقة دجلة والفرات ، وفي طيبة أهلها ، لكننا اليوم ننظر الى بغداد وهي تنزلق، نحو عصور الظلام والعتمة!، المسؤول فيها لا يسمع سوى صوته .

ذات يوم عاش رفعة الجادرجي في بغداد وهي تتنافس عليها الأحلام والآمال.. ذلك عصر كان منظروه يريدون لبغداد أن تكون مدينة متعايشة، متسامحة، والأهم مدينة بعبق وألوان لوحات فائق حسن وعطا صبري وفرج عبو، مدينة بألوان من قوس قزح، وعمارة مكية والآلوسي ومظلوم والمدفعي ولم يكن يدور بخلد هؤلاء أن تتحول المدينة الى خرائب ، يريد القائمون عليها أن يجعلوا منها داراً للآخرة بعد أن كانت حاضرة للدنيا.

ظلّ رفعة الجادرجي على مدى أربعة وتسعين عاماً صورة عن العراق الذي أحبه وعشقه ، لا الطائفية أغرته ، ولا المحاصصة اقتربت من بابه ، كان مثل العراق الذي حلم به ، هادئاً ، أنيقاً ، طافحاً بالأمل . عاش حتى اللحظة الاخيرة يحلم بعالم من الجمال والأضواء، كان عالم بغداد جميلاً ومختلطاً وملوّناً، في هذه المدينة التي كانت تتطلع إلى المستقبل بعيون مفتوحة ، التقى بجواد سليم ، وبمحمد مكية ، وبالسياب والبياتي وعلي الشوك ويوسف العاني وجميل بشير وعشرات غيرهم ..كانوا جميعا يحلمون كان بوطن للفرح والأمل، ويملكون حلماً كبيراً لصياغة صورة لعراق جديد شعاره المستقبل وغايته إسعاد الناس وبثّ الفرح في نفوسهم.

لكن بغداد ادارته له ظهرها ليعيش غريبا يحمل برودة المنطق وحرارة القلب، بين الحزن على حلم تهاوى والاحتجاج الصارخ على ما يكسر الحلم.. فكان يصر دوماً على أن يكون في الموقف الصحيح وأن يقول ما يؤمن به وأن يكون صورة لفنان الشعب ومرآة العقل والإرادة، يدافع عن المبادئ النقية في معركة الحرية من دون أن يكترث لحسابات الربح والخسارة. يمزج بين الحلم والحياة.. تكون الحياة مصدر إلهامه ويكون الحلم صوت المستقبل الواعد،

يرحل رفعت الجادرجي ، لكن اعماله ستظل خالدة وهي ترسم ملامح العراقيين وحكاياتهم في الأربعينيات وأحلامهم في الخمسينيات وقلقهم في الستينيات وضياعهم في السبعينيات وبؤسهم في الثمانينيات وتشردهم في التسعينيات وما جرى لهم في زمن الديمقراطية الحديثة ..ونشم رائحة بغداد كلما شاهدنا جدارية جواد سليم وهي تسخر من اللصوص ، ونتذكر ملامح الفنان الذي ظل لآخر لحظة يحلم بأن يموت قريباً من مكتبه الهندسي أو في زاوية من زوايا شارع الرشيد الذي عشقه.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 2

  1. عدي باش

    الرحمة والذكر الطيب لعاشق بغداد و ابنها البار الفقيد العزيز رفعة الجادرجي

  2. نجاح مروكي

    بديعة كتاباتك يا اخي العزيز علي تحياتي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

لماذا أدعو إلى إصلاح التعليم العالي؟ (إصلاح التعليم العالي الطريق السليم لاصلاح الدولة)

العمودالثامن: الكهوف المظلمة

العمودالثامن: النائب الذي يريد أن ينقذنا من الضلال

العمودالثامن: أحزاب وخطباء !

العمودالثامن: ماذا يريدون ؟

العمودالثامن: نواب يسخرون من الشعب

 علي حسين يملأ بعض السياسيين حياتنا بالبيانات المضحكة ، وفي سذاجة يومية يحاولون أن يحولوا الأنظار عن المآسي التي ترتكب بحق هذا الشعب المطلوب منه أن يذهب كل أربع سنوات ” صاغراً” لانتخاب...
علي حسين

الأحوال الشخصية.. 100 عام إلى الوراء

رشيد الخيون عندما تُعلن الأنظمة، تحت هيمنة القوى الدّينيّة المسيسة، تطبيق الشّريعة، تكون أول ضحاياها النّساء، من سن زواجهنَّ وطلاقهنَّ، نشوزهنَّ، حضانة أولادهنَّ، الاستمتاع بهنَّ، ناهيك عما يقع عليهنَّ مِن جرائم الشّرف، وأنظمة لا...
رشيد الخيون

مأساة علاقات بغداد وأربيل..استعصاء التجانس واستحالة التفارق

رستم محمود أثناء مشاركته في الاجتماع الموسع للأحزاب والقوى السياسية العراقية في العاصمة بغداد، ضمن زيارته الأخيرة، والتي أتت بعد ست سنوات من "القطيعة السياسية مع العاصمة"، رفض زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني والرئيس الأسبق...
رستم محمود

كلاكيت: للوثائقيات العراقية موضوعات كثر

 علاء المفرجي أثار موضوع تعديل قانون الأحوال الشخصية في العراق، من جدل اجتماعي أحتل ومازال مواقع التواصل الاجتماعي، أُعيد ما كتب في هذا الحيز عن فيلم (خاتم نحاس) إخراج فريد الركابي والذي انتجته...
علاء المفرجي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram