طالب عبد العزيز
قد لا يجد كثيرٌ من المتقاعدين، أقراني، حرجاً في قضية الحجر، التي نحياها منذ اكثر من شهر، بسبب وباء الكورونا، فقد ادمنا البقاء في المنازل والتعرف على المطبخ وتربية الاحفاد بعد رفقة طويلة مملة قضيناها مع الوظيفة والسوق،
كما انه ليس في المدينة التي تضيق علينا منذ عقود مقصداً جميلاً اكثر من المقهى والمكتبة وكورنيش شط العرب، بعد أن خلت المدينة من السينما والمسرح والحديقة العامة والشارع النظيف والانسان الحقيقي ايضاً، وليس اكثر من اللقاءات شبه اليومية والعابرة مع الاصدقاء مدعاةً للخروج من البيت.
لجملة الاسباب تلك أشعر بانَّ البيت مكانٌ معقولٌ لقضاء ما تبقى من الايام، أو لتأمل ما يتغير من حولنا في الطبيعة، ولا أقصد المتغير في السياسة والاقتصاد والحروب الكونية المتوقعة، فقد اجهز السفلة من ساستنا- هل لدينا ساسة - ؟ على حلم التغيير عندي، حتى بات النظر الى قطعة بيضاء بعيدة في السماء -سمها غيمةً- احبَّ الي من معاينة مدن جميلة كثيرة في العالم، هم أجهزوا على الرغبة في السفر عندنا، قبل أن يجهز الوباء على المدن تلك، هل نقول بان العالم ما بعد الكورونا تغير بالفعل أم أنَّ ما حدث في العراق بشكل خاص فكك نظرتنا الى العالم حتى استحالت سوداء هكذا؟
البعض يعتقد بان القراءة ومعاينة الافلام على سينمانا افضل السبل للقضاء على الضجر الذي يولده الحجر المنزلي، وقد يبدو ذلك صحيحاً الى حدٍّ ما لدى الانسان التقليدي، مع يقيننا بانه خلق ملولاً، نزّاعاً الى التغيير، وربما كان المثقف اتعس الآدميين في النزوع الى التغيير والخرق واللامبالاة أيضاً، ولمّا كانت الكتابة والقراءة مهنة العاطلين عن الموت، الشعراء منهم والروائيين والفنانيين.. لذا ستكون الاقامة الجبرية أشدَّ وقعاً عليهم من التعرض الى الكورونا على خطورتها. قبل يومين استعنت بهويتي الصحفية فأخذني ابني بسيارته الى المدينة، اشترينا من الصيدلية قفازات وكمامات وشيء من مطهر كحوليّ، وبدونا مختلفين فعلاً، لكنني، تجرأت فذهبت الى الامكنة التي كنت أرتادها. كانت المقهى والمكتبة مقفلتين ولا أحد من الاصدقاء وجدته بين الماشين على الكورنيش، ومثل أي خائف، تبضعت أشياء لا أجدها ذات أهمية، لكنَّ الرغبة في التسوق كانت قوية عندي.
نعم، الكل يعترف بأن العالم ما بعد الكورونا سيتغير، هذا واقع سنلمسه لاحقاً، فالخوف من المرض والموت يجبرنا على تغيير عاداتنا، لقد عشنا حياةً ستكون أفضل لو غيرنا بعض أولوياتها، وإذا انعمنا النظر في مفاصل كثيرة منها سنجد اننا أستهلكناها في ما لا ضرورة له، ما فعلته الدول الكبرى بالحياة كان مهيناً وقبيحاً، المجتمع الاستهلاكي يدمر الارض ومن عليها. أرى انْ على المثقف ان يكون طليعياً في تقديم الشكل القادم لطبيعة الحياة ما بعد الكورونا. القراءة والكتابة ومعاينة الأفلام على سينمانا وصفة عاجزة.