TOP

جريدة المدى > عام > في رواية فوضى الحواس

في رواية فوضى الحواس

نشر في: 17 إبريل, 2020: 05:40 م

أ.د. نجاح هادي كبة

أولاً : في بنية الراوية : 

الرواية لأحلام مستغانمي الروائية الجزائرية الشهيرة، صادرة عن دار الآداب a2008م لبنان - بيروت في (375) صفحة من القطع المتوسط

والعنوان والاهداء مناص للراوية أو هما عتبة أولى من عتبات الرواية، إذ عكسا أفكار ومشاعر الروائية المتشابكة التي تعتلج في نفسيتها تجاه مسائل مهمة وخطرة بخاصة تأثير الحالة السياسية في وطنها والوطن العربي في العلاقات الجندرية بين المرآة والرجل. فالروائية تصب جام غضبها على ما حلّ بوطنها من صراعات سياسية ولاسيما بعد استقلال الجزائر وتسنم الوطنيين الحكم ونشوء المعارضة الأصولية، والروائية تمثل دور الراوي العليم في إدارة دفة الصراع في نصوصها التي هي أشبه بسيناريو للوصول الى مونتاج صائب، فتارة تظهر كساردة للأحداث وتارة أخرى تدير المونولوج والدايلوج أو تستبطن الشخوص وتلجأ بحكم الواقع الموضوعي الاجتماعي ألا تكون هي مركز الحب أو بطلته بصورة مباشرة بل لبسته كقناع بوصفها كاتبة رواية داخل السرد، تريد ان تكشف المعيار السليم للحب من الواقع الذي يتطابق مع مقصدها في الكتابة عن الحب، لكنها ومن دون ارادتها انغمرت في حب يشعل النفس مع الآخر "الحبيب" ( ولكن هذه المرة، توقعت أنني أذكى من أن اتعثر في قصة حب وضعها الأدب في طريقي لا ليختبر قدرتي على الكتابة، وانما ليختبر جرأتي على اخذ الكتابة مأخذ الجد) ص: ٤٤ وتضيف: (لم يمنعني انشغالي بمتابعة الفيلم، من التفكير في الرجل والمرأة الجالسين أمامي، واللذين جئت أصلاً لمتابعتهما) ص: ٤٨ والروائية تضع المحكات اتي تتعثر بها في رصد واقع العلاقة بين الرجل والمرأة لتحول هذه العلاقة الى واقع حبري يعبرّ عن الواقع بصدق، (في هذه اللحظة، حضر رجل.. وهو مازاد في ازعاجي، وجعلني أندم على حماقة مجيئي إلى هذه القاعة، معرضة نفسي للشبهات فلا أحد هنا سيصدّق او سيفهم ان أكون كاتبة جاء بها الفضول، وأرادت أن تتلصص على عاشقين، اعتقدَتْ أن من حقها ان تندس بينهما لأنها خلقتهما) ص: ٤٩ (ألهذا عندما طلبته البارحة هاتفيا، قال "انتظريني هناك" ثم أضاف مستدركا "اختاري لنا طاولة أخرى، هي غير الزاوية اليسرى" وواصل بعد شيء من الصمت "ماعاد اليسار مكانا لنا" ألأن الحروب والخلافات السياسية طالت كل شيء؟ ووصلت حتى طاولات العشاق وأسرّتهم) ص: ١٤.

والروائية لها قدرة إبداعية في اختيار المكان واستبطان العلاقات الجندرية بين المرأة والرجل التي حدثت فيه، فهي تختار أماكن مأنوسة وملائمة للمتلقي لتصور علاقة الحب كالسينما والبحر والسيارة ولاشك في أن معيار مابعد الحداثة في الابداع هو الاهتمام بجماليات المكان وكأن المكان يوحي بالمشاعر والأفكار كما توحي الشخوص بذلك، ولكن كل حبها الذي مارسته مع الحبيب ذهب سدىً لاضطراب الحالة السياسية والأمنية حتى في علاقتها مع زوجها العسكري الذي ارتبط بامرأة ثانية ابتلعته منها الحالة الأمنية والسياسية ويتمدد اعتقاد الروائية على ان الحالة السياسية في وطنها تتمدد لتشمل اضطراب الحالة السياسية في الوطن العربي التي تكون عائقا حتى بين المحبين (أذكر كان يمر بي أحياناً "اخوها"، يقضي برفقتي بعض الوقت ثم يمضي قائلاً "كان الله في عون هذه الأمة نصف حكامها عملاء، والنصف الآخر مجانين، قبل ان يصحح نفسه مضيفاً، اما الأخطر فهم العملاء المجانين") ص:١٣٢. وتتوغل الروائية عميقاً في وصف الهوة بين الحكام والشعب في بلدها وانها أيضاً أس البلاء حتى في العلاقات الاجتماعية، تقول عن رأي أخيها بزواجها من العسكري الذي يجاري السلطة الحاكمة: (مكتوب أن ينهبوا البلاد... أن يفرغوا أرصدتنا... ويسطوا على أحلامنا، ويستعرضوا ثرواتهم على مرأى من بؤسنا، ربما كان هذا مكتوبا... أما ان يتزوج هؤلاء السفلة بناتنا... ويمرغوا اسماء شهدائنا في المزابل... فليس هذا مكتوبا... أنتِ التي كتبته وحدك) ص : ١٢٦ وتربط الروائية الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية بالواقع السياسي في بلدها (ذلك ان الرعب أصبح فجأة عدوى جماعية قابلة للانتقال من شخص الى آخر، ومشهدا عاديا قابلا للتضخم يوما بعد آخر وأنت تصغر أمامه، حتى تصبح في حجم حشرة لا تدري في جوف اي فريق ستنتهي، انه المنطق العشوائي للموت في زمن الحروب غير المعلنة) ص: ٣٤٣ وكانت نهاية الرواية منسجمة مع خيبات الروائية السابقة في علاقتها بالآخر (فزوجي استفاد من اهتمامي به، لينقذ علاقة اجتاحها فتور لم يجد له سبباً فراح يحاول استعادتي بالتفاتات صغيرة.... أمي كعادتها، لم تفهم شيئاً مما حلّ بي واكتفت باجتياح كل برنامجي.... ) ص: ٣٧٤، (فمنذ اسبوعين وأنا امرأة أمية تتحاشى الاسئلة خشية ان تباغتها أعراض الكتابة) ص: ٣٧٥.

آخراً: إشارات عن بنية الرواية: 

١- اتخذت الروائية اسلوب السيناريو وتقطيع الاحداث الشائع في السينما مع خيط خفي للوحدة الموضوعية يجمع الأحداث ليكوّن مونتاجا صائبا هو الرواية. 

٢- كان عنونة الرواية "فوضى الحواس" دالة لمدلول فالروائية في سردها تنتقل من حدث لآخر كأنما يوحي هذا الانتقال بفوضى الحواس. 

٣- كان العنوان الرئيس للرواية "فوضى الحواس" وكذلك العنوانات الفرعية مثل: حتماً، حقاً، دوماً، مما ورد في اثناء السرد. 

٤- اعطت الروائية دورا أساساً للعلاقات الجندرية بين المرأة والرجل وعلاقتها بالعامل السياسي الذي سبب الاحباط النفسي لشخوص الرواية من دون العوامل الاخرى كالعامل الاقتصادي، والاجتماعي، الثقافي.

٥- كان الاتجاه الوطني والقومي سائداً في السرد وعدت الروائية الانكسار الوطني امتداداً للانكسار القومي.

٦- الرواية رصدت أحداثاً تاريخية عما مرت به الجزائر بعد الاستقلال ولابد من الاشارة الى ان هناك علاقة بين السرد التأريخي والرواية فان مما يميز الرواية عن السرد التأريخي هو الشكل الفني الابداعي للرواية، وهذا مما أوقع الروائية بالتقريرية في كثير من سرد الواقع التأريخي وفي اكثر من موضع.

٧- تنتشر في الرواية عبارات عامية جزائرية لكنها لاتؤثر في سياق الاحداث بالفصيحة.

٨- تستشهد الروائية بمقولات فلسفية لكبار المفكرين والأدباء أمثال بورخيس، رولان بارت، ميشيما... الخ. 

٩- عكست الروائية الكثير من العادات والتقاليد الجزائرية وتأثيراتها في حياة المجتمع كما لا تألو جهداً بالاستشهاد أحيانا بأمثال عربية فصيحة.

١٠- كشفت الروائية الفساد المالي والخلقي في المجتمع الجزائري بعد التحرير، فالثورة الجزائرية والكفاح المسلح آلت للاستقلال لكنها اصابت رجالها بالتناحر السياسي حد القتل والسجن.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

مقالات ذات صلة

الاعتياد على مسالك الحياة السهلة:  صفقة مع الخطر
عام

الاعتياد على مسالك الحياة السهلة: صفقة مع الخطر

ألِكْس كورمي* ترجمة: لطفية الدليمي بينما أكتب الآن هذه الكلمات يرسلُ هاتفي النقّالُ بطريقة لاسلكية بعضاً من أعظم ألحان القرن الثامن عشر (مؤلفها الموسيقار العظيم باخ لو كنت تريد معرفة ذلك!!) إلى مكبّر الصوت...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram