إياد الصالحي
برغم مضي سنين طويلة على مواقف نجوم الرياضة وما واجهوه من ظروف قاسية في طريق أداء واجباتهم الرسمية مع الأندية والمنتخبات، إلا أن سردها اليوم يضيف نكهة أخرى لمرارة الذكرى بمقارنة الانكماش المادي وما تهيّأ لهم من مستلزمات فقيرة للدفاع عن أنديتهم مع حالة الانتعاش التي يمر بها نجوم اليوم والدلال المصاحب لمسيرتهم، ومع ذلك يظلُّ تفوّقهم المهاري وتشبّثهم بفرقهم، مهما كانت المغريات، لا يُضاهى!
الصقر جعفر عمران ، نجم الكرة العراقية في حقبة الحصار التسعينية ، تألّق بشكل لافت في ساعة مميّزة من ساعات "الحكم الرابع" بتوقيت عمر رياض في قناة العهد ، وكان بالفعل "القاطرة البشرية" مثلما أبهرنا لاعباً، بمروره المؤثر على كثير من المحطات الكروية التي تستحق أن تُدرَّس للجيل الحالي وكل من يمارس كرة القدم مستقبلاً.
الخلوق عمران ، عايشنا فترات ولادته الكروية في منطقة الهجوم في أسوأ حظّ تزامن مع احتلال لاعبي القرن العشرين في الكرة العراقية "مناصفة" حسين سعيد واحمد راضي، ووثّقنا الكثير من مبارياته وأهدافه ومفاجآته في حرق توقّعات المتابعين خاصة مع فريق النفط ، وهي سِمة المهاجم المُباغت الذي يُحيُّرك اسلوب تحرّكه في الصندوق، واقتناصه اللحظة القاتلة وسط غفلة المنافس ليتحكّم بصفارة النهاية بعقل هجومي راجح.
نجح رياض في ترويض ذاكرة عمران بلا استفزاز وتركهُ ينتقي من مسيرته أبرز الدروس والعِبر بمحاور جرّتهُ الى الاعتراف عن أمور خافية لم يفصح عنها آنذاك، وكان كريماً في الإطراء على مَن قدّرَ موهبته مثل الراحل شيخ المدربين عمو بابا وعدنان درجال، وسامحَ من قبرَ استحقاقه في أوْجه مثل المدرب انور جسام ، ضارباً المثل الأعلى في احترام خيارات المدربين مهما كانت قيمة اللاعب والمطالِبْ الجماهيرية المساندة له، وهي من أبرز مسبّبات تدهور نفسية النجم "الأنفة" وانعدام ثقته بما يقدّمه في المستطيل الأخضر.
أمانة ، كان الظرف المادي عصيب جداً منتصف التسعينيات ليس لنجوم الرياضة فحسب، بل لعموم أبناء الوطن نتيجة فرض الحصار وانحسار فرص زيادة الدخل، وشحّة الدعم الحكومي باستثناء ما توفره البطاقة التموينية من مواد غذائية تُعين صاحب الأسرة على مقاومة شظُف العيش، ولهذا لم يقلْ عمران غير الصدق وبجرأة يُحسد عليها أنه كان يتحرّق صبراً في دكّان إسكافي محلّة الكسرة وهو يرقّع حذاء الرياضة مُنهك الجِلد قبل موعد المباراة بساعتين، فلم يسعفه الوضع المادي مثل عشرات اللاعبين في أندية جماهيرية من شراء حذاء جديد نظراً لكلفته الباهظة، ومع ذلك لم يَحبُط الترقيع معنوياته، بل كان دافعاً له لتعويض النقص بفرح غامر مع الجمهور على وقع هدفٍ يطير بالعقول ويهزّ المدرجات!
وبشعور فاخر، اطلق عمران سراً من جوف ماضيه الأليم عن الضغوط التي تعرّض لها لثنيه عن تقديم العطاء أو الغدر بفريقه مقابل رشوته بامتيازات مهمة مثلما عَرَض عليه رئيس رابطة نادي الشرطة الرياضي الراحل سعد طالب عناد عشية مباراة النفط الذي مثلّه آنذاك، مطالباً إياه عدم الحضور الى الملعب خشية أن يُضيّع على القيثارة ثلاث نقاط ثمينة، فباغته عمران بالحضور قبل بدء المباراة، ونزل متعمّداً لممارسة الإحماء قبل زملائه، فاستشاط عناد غضباً طوال شوطي المباراة، موجّهاً له سيلاً من الشتائم حسب قوله ، ويُضيف بحماسة (كيف أغدر بفريقي أبو الخُبزة الذي يمنحني الراتب ويرعاني ويُقدّرني)؟
ترى كم لاعباً اليوم يقتدي بسلوكيات أسلافه من الزمن الكروي لناديه أو بقية الأندية التي يحرص الزملاء في القنوات التلفازية استذكارهم في خطوة نالت استحسان الجميع لاسيما إن عالم الاحتراف اليوم غيّر النفوس والطقوس حتى أن البعض بات لا ينظر الى قيمته إلا من خلال مقدار العقد وتباينه مع لاعب آخر ربما أكثر عطاء منه بحيويته واستغلاله الفرص وحسمه النتيجة ونزاهة علاقته التي تحكمه بناديه.