طالب عبد العزيز
في مثل يوم أمس الاول 17 نيسان من العام 1988 حيث كانت الحرب بين العراق وإيران تلفظ أنفاسها، وفي معركة تحرير الفاو، التي أحتلها الايرانيون يومذاك قتل شقيقي عبد الواحد( 1948-1988) سقط ميتاً بشظية مدفع ثقيل وسط أحراش قرية المعامر، على ضفة شط العرب. كنتُ جندياً مثله، تعسكر وحدتنا في جزيرة أم الرصاص، التي لا تبعد عن مسيل دمه هناك أكثر من أربعين كلم.
ظل أخي جندياً كاتباً، آمناً على حياته في وحدة عسكرية بعيدة عن الجبهة لأكثر من سنتين، قبل أن يصلها تقرير من دائرة أمن البصرة أو منظمة الحزب في أبي الخصيب يعلمهم فيه بأنه كان شيوعياً، ومن ساعتها تم نقله الى فوج مغاوير الفيلق السابع، الذي تقدم الجيوش ليكون رأس حربة الهجوم المعد له طويلاً، ومن ثم لتغيب شمس ذلك اليوم عليه جثةً، لم يتمكن أقرانه الجنود من حملها الى طبابة الفوج، بسبب كثافة النار التي اطلقت هناك، فمر الأسبوع الأول على مصرعه قبل أن يُنقل ما ظل من جسده الى وحدة تسليم الشهداء بالزبير.
في اليومين الماضيين كثر الحديث عن معركة الفاو في صفحات الفيسبوك، ونشر بعض المدونيين الصور والخرائط والأسلحة، واستعرض آخرون وطنيتهم وقوميتهم شامتين بالايرانيين، فيما كشف البعضُ ممن مازال ولاؤهم لإيران عن هوية بضغائن كثيرة، لكنَّ أحداً ما لم يشر الى الحياة بوصفها عنواناً أكبر من الأوطان والحدود والزعامات السياسية والدينية، لم يتحدث أحد عن الموت والفقد والضياع، صمتوا كلهم عن بشاعة الحرب وقبح الحكام. لم يتحدث أحدٌ منهم عن مئات الآلاف من الجنود الذين سقطوا على الحدود وفي المدن التي استبيحت هنا وهناك.
ومثل كل المعارضين العراقيين لنظام صدام حسين آنذاك، لا أريد أن أمنحه الحق أو الشرعية في ابتداء الحرب مع إيران، فقد كان واضحاً أن حكومة الأخيرة لم تكن مستعدة لها، حيث لم يمض على الثورة بحرسها المندفع قدماً أكثر من سنة. كانت صورة إيران وما تضمره حكومتها لما تتضح لنا بعد، نحن في الجنوب الشيعي بخاصة، وظلت قضية شرعية الحرب العراقية –الايرانية غائمة في أذهاننا، ولم يتبينها الكثير منا إلا بعد سقوط نظام صدام حسين نفسه، ومن ثم التدخل الإيراني السافر في شؤون العراق، والإصرار على استعمار البلاد وأهلها، بل والتخطيط لتدميرها وبالطريقة الثأرية التي تنفذها أو عبر أذرعها الحزبية والمليشياوية.
لا ينبغي لنا التسليم بشرعية الحرب، أيّ حرب، فهي، وعلى مرّ العصور كانت الحل القبيح لمشاكل الحكومات، لكننا، وبغض النظر عن المواقف الوطنية والقومية المعلنة والخفية، لم نذهب لها لندافع عن الوطن، هل ملكنا الوطن ذات يوم؟ وهل تحسسنا الوطن ومعنى المواطنة والانتماء أيام كان نظام صدام حسين قائما وقامعاً ؟ أبداً. كنا على يقين تام بانَّ النظام ساقنا للحرب دونما رغبة منا في الدفاع عنه، لكننا، اليوم، وبعد الذي فعلته حكومة إيران بالعراق أجد أننا بحاجة الى تلمس وعيٍ آخر، يعيد لنا توازننا في المدار القلِق هذا. هل ينبغي عليّ تسمية حادثة مقتل أخي في معركة الفاو من جديد ؟ .