متابعة/ موج يوسف
في ظل الأزمة التي يشهدها العالم وما صاحبتها من تداعيات كثيرة شغلت البشرية بالكامل ممّا جعل الحياة مهددة بالانقراض بسبب عدو لا يُرى،
فلجأ الكثير الى خلق أجواء تخفف من حدّة الضغط والكبت مع الحظر الصحي المفروض علينا فنرى أن البعض لجأ إلى الموسيقى والعزف والغناء والآخر القراءة والعمل عن بعد . لكن عند الفنان أو الأديب كان الأمر مختلفاً، فرؤيته للأشياء مختلفة إذ أنه تعود على التمييز الدقيق فهو يضع نصب عينه دائماً الظروف التي تحيط بالحياة، وظرفنا الراهن هو عالمي يهدد بانتهاء الحياة بالكامل ومع هذا كله فن ابداعي يعرض في عمق التأزم العالمي اذ شاهدناه عبر مواقع التواصل الاجتماعي قبل أيام قليلة وهذا المعرض للفنان والنحات العراقي أحمد البحراني الذي عرض فيه لوحات فنية كثيرة ذات رسائل إنسانية وإيجابية وافتتح معرضه بلوحة كُتب عليها (هي عزلة موجعة ولكنها منحتنا الكثير من الوقت لنكون أمام تحد كبير لمواجهة من يعيشون معنا نشاركهم الزمن محاولين ترميم ما فقدناه من ذاكرتنا وعواطفنا ونفسح الأمل لأنفسنا لغدٍ أجمل) وكتب اسفل اللوحة الافتتاحية ((تجربة جديدة اخوضها في عزلتي وسأشارككم نتاجها في هذا الفضاء المفتوح 2020/4/1 الدعوة عامة للجميع في فضاء افتراضي واسع مفوح للجميع). البحراني قد قسم لوحاته إلى قسمين احدهما حاضرنا وأزمة كورونا والحجر الصحي والآخر الذكريات، وعند سؤالنا له عن فكرة المعرض الافتراضي وتقديمه بهذه الطريقة أجاب لـ(المدى) قائلاً: ((يمرّ العالم بتجربة فريدة من نوعها في عصرنا الحديث حيث فرض كائن لا يرى بالعين المجردة شروطه على الكون من أقصاه إلى أقصاه فمن الطبيعي أن يتكيف الإنسان مع هذا الوضع الاستثنائي وبالتحديد الفنان الذي يمثل بكلِّ الأزمنة خلاصة ما يجري حوله من أحداث يترجمها بطريقته الخاصة وادائه الخاص. وأنا شخصياً أجد أن العقل البشري قادر على إيجاد حلول في كلِّ زمان وأن يتكيف مع الحالة التي يمرّ بها ولذلك جاءت فكرة هذا المعرض الافتراضي تماشياً وكسراً لهذا الحظر العالمي الذي حرمنا من الوصول إلى محترفاتنا التي نمارس بها عملنا الفني)).
البحراني من مواليد العراق كربلاء 1965 المقيم حالياً في قطر ويعدّ من أشهر النحاتين العراقيين إذ درس في معهد الفنون الجميلة في الحلة بالعراق وتخرج منه عام 1988 . شارك في العديد من المعارض داخل وخارج العراق ومنها معرض الواسطي ومعرض النحت العراقي وله أعمال مميزة في مدن العالم كرين ارت في دبي ، قاعة بيسان قطر وتصميم وصناعة كأس العالم لكرة اليد عام 2017 . ومعرضه الافتراضي الحالي قد تناول فيه مواضيع عدة أهمها اللوحة الأولى التي تظهر الكمامات والكفوف ملقاة على الارض وكُتب عليها عبارة ( تصير سوالف) هذه اللوحة كانت مميزة وكأن المشاهد لها يرى حدثا الآن أصبح ماضيا وقد تجاوزنا الأزمة وعند سؤالنا عن هذه اللوحة أجابنا البحراني قائلاً ((هذا العمل بالتحديد أعدّه خلاصة المعرض وهو رسالة أمل للعالم إنَّ كلَّ الأحداث القاسية التي مرّت على العالم انتهت وتحولت لتاريخ مكتوب أو مسموع ولهذا أنا أقول للعالم من خلال هذا العمل تصير سوالف)) الفنان البحراني في جميع أعماله ومعارضه يخلق تأويلات جمالية تصل إلى المتلقي وتكون ثيمة اساسية تحمل ديناميكية لها بصمات رمزية، وفي هذا المعرض نلاحظ أغلب اللوحات الاخرى هيمنت عليها الذكريات والحنين إلى الماضي وصورة العراق التي مازالت عالقة في ذاكرة الفنان المغترب منذ سنوات طويلة وحدثنا في هذا الصدد عن لوحات الذكريات قال: ((بسبب مشاغلي لا اجد وقتاً لكثير من الاشياء حولي ومن ضمنها عائلتي وأشياء كثيرة لم يكن هناك وقت كي أكون قريباً منها. وهذا الحظر الذي فُرض من أجل مصلحة الجميع، عن طريقه وجدت نفسي إني كنتُ مُخطئا بشكل كبير بحق عائلتي وذكرياتي دون أن التفت إلى سنوات العمر التي تجاوزت خمسة عقود ونصف لذلك تناولت ذكرياتي بهذا المعرض كي أعيد لها حقها الإنساني وأنا سعيد وخاصة أن الحظر تحول من ألم إلى سعادة ولو معنوية وليست مادية)) المعرض شمل حياة الفنان وذكرياته بل والحنين لها فنرى لوحة حملت عنوان (احمد سيد عباس جاسم تصوير استديو ابو حديد بطويريج 1989 والحلاق صلاح شارع الرشيد) وأخرى لدمية كتب تحتها أول هدية لحبيبتي، وأخرى لمجسم اثري باللون البرونزي والبيج كتب تحته تربة صلاة كربلائية من زيارتي لضريح الحسين عام 2009 وغيرها ذات المعالم الإنسانية والجمالية وهذه هي مهمة الأدب والفن وهي توظيف الجمال ونشره إلى العالم بوسائل مختلفة منها بالشعر والسرد والنحت والصور والموسيقى حتى لو كان في أقسى الظروف على الفنان أن ينشر فنه وقد سألناه في صدد عرض المعرض بهذه الطريقة الافتراضية واجاب لـ(المدى) قائلاً: ((الفن والأدب لهما دور عظيم في إعادة الأمل للإنسان مهما كانت ظروف الحياة فعبر التاريخ قدمَ الفن والأدب دروساً مهمة وعظيمة في بناء المجتمعات وشخصية الإنسان الحر وتقديم الوعي المجتمعي من خلال نتاج فني وأدبي راقي ومحترم ودورنا مهم رغم صعوبة الأزمنة وتداعياتها على الفنان لكن يظل العقل البشري قادراً على إيجاد الحلول ومنها هذا المعرض الافتراضي)) . الفن رسالة تكمن في جوهره يطلقها الفنان عبر ريشته وألوانه وتشكيلاتها الصورية والمجسمات تحمل تلك الرسائل لترسلها إلى العالم والبحراني قد وجّه رسائله ليست لفرد واحد بل للبشرية والعالم وحدثنا عنها ((وددت أن أقول لكلّ العالم علينا أن نتمسك بالأمل ونعمل على تقريب المسافات بيننا فالأمل هو الخلاص من هذا العدو الخفي فايروس كورونا))..