علي رياح
في روايته الرائعة (الـوزيـر جـاي) ، يضع الكاتب المصري الساخر أحمد رجب يده على كل مفاصل الداء الإداري عند اللحظات المفصلية التي يتمّ فيها مجيء الوزير للتأكد من أوضاع دائرة كثـُرتْ عليها الشكاوى من كل حدب!
وفي الدائرة التي تعشعش فيها المحسوبية والمنسوبية والرشوة وإهمال مصالح الناس ، لا يجد المسؤولون غير محاولة صرف الوزير عن نيته الجادة اكتشاف مواطن الخلل ، فماذا أنتجت قريحتهم من وسائل لتفريغ الزيارة من محتواها وقلب المعطيات لصالحهم؟!
جرى الاستنفار من أعلى المستويات لهذه الزيارة المُعلـَن عن توقيتها.. فتمّ طلاء جدران الوزارة بالألوان التي تـُدخل الفرح والتفاؤل لدى الزائر ، وتمّ شراء كمية معتبرة من الزينة لنشرها في ممرات المبنى الواسعة ، وتولى موظف محسوب على الشلـّة القائدة في الدائرة مهمة كتابة قصيدة كلها مديح للوزير وسيرته العطرة وسجاياه التي لا تعدّ ولا تحصى .. وحين أُعجب مسؤول الدائرة بمضمون القصيدة ، أوعز بالاتفاق فورا مع ملحن شهير لكي يحولها إلى (نشيد) سيصدح به الجميع وهم يصطفـّون عند بوابة البناية حيث تقتضي الضرورة الوقوف لاستقبال الوزير!
لم تنتهِ إجراءات التهيئة والتحضير لمقدم الوزير عند هذه الحدود التي ابتكرتها العقلية البيروقراطية التي تحب الاستئثار والبقاء على الكرسي مهما يكن الثمن ، وإنما أصدر المدير أمراً بالاتفاق مع ريجيسير مغمور (والريجيسير في السينما هو الشخص الذي يقوم بتجهيز أي عمل فني بالكومبارس) ، والغاية هنا تأمين عدد من هواة التمثيل لأداء دور المراجعين الذين يتم استقبالهم (في يوم زيارة الوزير) بالترحيب ويكون البوفيه مفتوحا لتأمين طلباتهم من المأكل والمشرب .. فهم مواطنون والموظف خادم للمواطن الذي يراجع الدائرة ، طبقا لليافطة التي جرى خطها ووضعها في مكان مميز من البناية!
كل هذه الترتيبات جرت وقد كانت محكمة ودقيقة ( وما تخرّش المَـيّة) ، ولكن هفوة بسيطة واحدة في الأداء كشفت المستور ، فانهار الجميع واعترفوا بأن ما كانوا يقومون به تمثيل في تمثيل!
لا أدري كيف استدعت ذاكرتي هذه الرواية التي تحوّلت فيما بعد إلى فيلم سينمائي ممتع ، وأنا أعيش هذا السجال الذي استشرى بيننا حول هوية الوزير المقبل الذي سيقود ملف الرياضة والشباب .. هناك من وضع التسريبات .. وهناك من تحدث بلسان الثقة .. وطرف ثالث بدأ تصفية حسابه مع الوزير المغادر .. وآخر وضع خارطة طريق للوزير الجديد .. وينبغي اعترافي هنا بأن هذا الاختلاف في التوجهات ، قابله إجماع شديد على أن الوزارة كانت منذ عام 2003 ولا تزال تحت تأثير المناخ السياسي الحكومي في العراق والذي يُشرعن الولاءات التي تبدأ من عملية اختيار الوزير ومن ثم تنصيبه ووصولا إلى كل مفاصل الوزارة ، حيث أدّت هذه (الشرعنة) المهيمنة على كل الوزارات في البلد إلى سيادة منطق الصديق المقرّب والرفيق في الحزب أو الكتلة و(العرف) وابن المدينة والعشيرة ، بينما تقع مصلحة الرياضة الحقيقية في آخر سُـلـّم الأوليات والاهتمامات والتوجهات!
في عام 2003 جرى تعيين شخص لبناني هو منذر فتفت وزيراً للرياضة والشباب في العراق تحت مسمى (منسق) ، ومن يومها دخلت الوزارة في دوامة التغيير في كل مرة من دون أن نلمس إلا القليل من المنجزات ، فالاهتمام دوماً ينصرف إلى وضع الوزارة تحت تصرف الجهة التي ينبثق منها الوزير.
هذه المرّة .. جرى طرح أسماء عديدة ، بينها نجوم الكرة وفي مقدمتهم الكبيران أحمد راضي وحسين سعيد .. ثم مجموعة أخرى تنتسب انتساباً حقيقياً أو حتى شكلياً للرياضة .. وفي نفسي أمنية واحدة : أن يأتي الوزير الجديد بأفكار تخدم الرياضة ، بحكم كونه ابن الرياضة ومنتسباً إلى هذا القطاع الواسع ، لا أن يكون اسما كالأسماء وعابراً كالعابرين الذين تركوا أقلّ مما ينبغي من بصمات إيجابية على واقعنا الرياضي والشبابي!