TOP

جريدة المدى > عام > لم يرحل، بل ذهب في نزهة !

لم يرحل، بل ذهب في نزهة !

نشر في: 21 إبريل, 2020: 07:48 م

محمد جبر علوان

إلى.. سعد محمد رحيم بمناسبة رحلته إلى الخلود

بعد أيام من رحلتك نحو الخلود، كلفت من قبل الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق بجلسة خصصت لـتأبينك. افتتحت الجلسة وأنا اقرع نفسي "كم أنت قاس يا محمد علوان وأنت تدير جلسة تأبين خلك وصديقك سعد، وكم قاس أنت ايها الموت حينما رفرفت بجناحيك فوق رأسه وضممت في جلبابك صانع حكاياتنا وسعاداتنا.. لهذا أنا مصر الى يومي هذا على مقولة إنه :

لم يرحل.. بل ذهب في نزهة !

هكذا قالت بطلة رواية ضفاف الرغبة... وأكدها مباشرة "محمود المرزوق" بائع الكتب الشهير، حينما اتصلنا به لنعرف منه، هل مر عليه وهو في موته الاسطوري "رجل يدعى سعد محمد رحيم"؟ لم يؤكد ذلك ولم ينفه، بل بدا كمن لم يفهم سؤالنا، لكنه ركز على الإسم الذي سمعه، ولم يبذل جهدا كبيرا ليعرف أنه إسم من كتب الرواية التي "قُتِل فيها!" ولكي يعرف أكثر، سألنا عن علاقة الإسم بمقتل بائع الكتب، أكدنا له أنه من كتب الرواية، قال: أتمنى أن لا يكون قد نزل إلى المكان الذي ينتظر فيه أهل سومر موتاهم، لأن هذا سوف يؤخر لقائي به! وحينما سألناه عن معنى هذا!؟ شرح لنا: (إن أهل سومر كما قالت ألواحهم الحجرية، إنه بعد نزول روح الميّت إلى أرض اللاعودة يصادفه نهر العالم السفلي (هابور) حيث يكون في انتظاره ملاك النهر او ملاح النهر ذو الاربعة رؤوس الشبيهة برأس الطير، يحييه ويربت على كتفه وهو يطمئنه ثم ينقله في قاربه الى الطرف الآخر حيث بوابات مدينة الموتى) قلنا "للمرزوق" وماذا يعني هذا؟ قال: حينها لا أعلم هل نزل أم صعد، أم ابحرت به القوارب الى حيث امضي اغلب وقتي، لكني اعدكم سأنتظر أن يصعد به ملاح النهر وسأخبركم بذلك عبر رسائل منحوتة كلماتها من الغيوم، ولكني أود أن اسألكم: هل كتب قبل رحلته هذه الجزء الثاني من "مقتل بائع الكتب"؟ قلنا له: لماذا تسأل وأنت قد مت بالطريقة التي يعرفها كل من قرأ الرواية، قال لنا: كنت اتمنى امتدادا لي، أن يخلق سعد محمد رحيم بديلا لمحمود المرزوق لا لشيء إلا من أجل التوازن الذي يجب أن يهيمن على مدينتي وقريتي "بعقوبة" لكننا اضفنا قبل أن نغادره: إذا التقيته يمكنك أن تسأله، هل كتب جزءاً ثانياً من روايتك.. نعلم يامرزوق أنه كتب عن الجنون وفسحاته التي يحلم بها القاصي والداني ـ وكنا نعني كل من عاش الحرب وويلاتها ـ ... تركنا محمود المرزوق يشذب ازهاراً كانت متناثرة أمام المكان الذي كان يجلس فيه.. اقتربنا من "السعدية" وتصاعدت في الافق ترانيم نسوة كثر في فسح الجنون ومن تبللت اقدامهم بالموج الصاخب على شاطئ رملي حيث هيكل السفينة الراسية على شاطئ رسمت اقدام "حكمت" عليه صورا ولوحات لم يستطع المد محوها.. وقف وسط بيت متداع "حكو" كما يحب أن يسمى، صرخ في مجموعة من النساء والرجال كانوا يحملون صوراً لسعد وهي معلمة بشريط اسود "هل جننتم وأنتم ترددون منذ أيام لازمة الرحيل.. فكيف يرحل الرهبان ومن في جعبتهم اكداس من مشاريع الجمال، وأعني من امتلك اسرار الطرق المؤدية الى فراديس الرؤية...." واصل صراخه، شاركته جوقة من رجال بملابس رثة وشعور منفوشة ولحى مسترسلة عرفناهم، إنهم اصدقاء "حكمت" في فسحة للجنون، الرواية الاخيرة لسعد، مجموعة المجانين كانوا ينفضون التراب عن اجسادهم بعد أن ظهروا من الحفر المتناثرة بفعل القصف العنيف الذي طال القرية منذ عقود طويلة، لكن الحفر كانت مرسومة على الاديم كأنها شقت قبل قليل :

ــ لم يرحل.. بل ذهب في نزهة.. هكذا كان يردد "حكمت" وتردد بعده جوقة اصدقائه المجانين، سألناه أين يمكن أن نجده، اشار ناحية محطة قطار مهجورة، لا شيء يشير الى أنها محطة سوى بقية جدار ونافذة مطلية باللون الاخضر الذي تميزت به محطات القطار في الوطن.. اللون الاخضر وبقايا سكة حديدية اندثرت تحت الارض، هما كل مارأيناه في المكان الذي كان يوما ما محطة لقطارات نازلة وقطارات صاعدة .

ليس... أوّل هواء الخريف..

ليس... أوّل غبار أيلول..

وليس الراقد، في ذلك النعش المار فوق سيارة مسرعة، وسط هرج الناس، أوّل القتلى. وبالتأكيد، لسنا نتوهم أنه الأخير.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

مقالات ذات صلة

الاعتياد على مسالك الحياة السهلة:  صفقة مع الخطر
عام

الاعتياد على مسالك الحياة السهلة: صفقة مع الخطر

ألِكْس كورمي* ترجمة: لطفية الدليمي بينما أكتب الآن هذه الكلمات يرسلُ هاتفي النقّالُ بطريقة لاسلكية بعضاً من أعظم ألحان القرن الثامن عشر (مؤلفها الموسيقار العظيم باخ لو كنت تريد معرفة ذلك!!) إلى مكبّر الصوت...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram