طالب عبد العزيز
لا أظن أن الخليفة، الملك، الامبراطور الذي ابتكر جهاز الشرطة عبر التاريخ الانساني كان يقصد منه حماية المواطن، والسهر على أمنه وسلامته، بقدر ما أسسه لحمايته والنظام والدولة القائمة عليه،
وظلت اجهزة الشرطة والمؤسسات الامنية صنيعة البلاطات الملكية والادارات الحكومية اكثر من وجودها وعنايتها بحماية الانسان والافراد، لذلك لم ترق صورة الشرطي الى أبعد من كونه ابن الحكومة، أي حكومة، على الرغم من استحداث الانظمة السياسية وتطور فن الادارة وتقلص حجم الحكومات المستبدة.
وجدير بنا القول بان الحزب الشيوعي العراقي ومنذ تأسيسه في ثلاثينيات القرن الماضي رسم الصورة النمطية للشرطي في العراق، الصورة التي تتعقب الاحرار والوطنيين، الساعين الى تحرير البلاد من الاستعمار والتخلص من الحكومات العميلة، لم يرسمها الحزب جزافاً بطبيعة الحال، إنما هي واقعة ومشؤومة هكذا، انطبعت في الذاكرة الشعبية، ولم تتغير الى اليوم، بل ازدادت تشوهًا وقبحًا في زمن النظام السابق، ولم تفلح احداث ما بعد العام 2003 في تحسين الصورة تلك، إذا لم نقل بانها أصبحت اكثر شؤمًا وقبحًا.
ومثل أي واقعة ملموسة لا يحق لنا تعميم الصورة، لتشمل كل المنتسبين لجهاز الشرطة في العراق وغيره، ففي هذا تعسف وظلم كبير، لكننا نتحدث عن الصورة بإطارها العام، والذاكرة العراقية وعبر نحو من ثمانين سنة ويزيد، مازالت تحتفظ بصورة الشرطي الذي يطرق بابك ليخبرك بانك مطلوب للحكومة، وعليك مراجعة الضابط، الذي سيساومك على قضيتك في الحق والباطل، فأنت خارج على رضى الحكومة، متمرد على إرادتها، ومما يؤسف له أن الحال هذا ظل ماثلًا الى اليوم، فأنت على يقين بان الضابط سيساومك حال دخولك مبنى الشرطة وستمتثل اليه شئت ام أبيت.
قد يكون في حديثنا ما يغضب احدًا من الأصدقاء، ضباطًا ومراتب وآخرين، لكنني اتوسلهم ان يهدوني إلى من انقذوا حياته من بطش الحكومة على تعاقبها في الزمن، ومنذ تأسيسها في العام 1921 وحتى يومنا هذا، أبحث عمن يرشدني الى متهم في قضية بسيطة لم يتعرض للضرب والاهانة والابتزاز، ولا اتحدث عن ما حدث بعد العام 2004، حيث تسللت المليشيات فيه الى ادق مفاصل الجهاز الامني واستحكمت في قياداته، إنما ابحث عن شخص استعان بهم في قضية عادلة وأنصفوه، دونما ابتزاز ورشًا وإتاوات، لا اريد ان اتحدث عن واقعة حدثت مع ابني قبل سنوات، وكيف اضطر الى ترك هويته في مركز الشرطة بالبصرة القديمة، وبالطريقة الحقيرة التي تم التعامل بها معه، كذلك لا أريد الخوض في ما وقع لي قبل ثلاثة ايام، في تقاطع ساحة الطيران، حيث أصر الشرطي على أخذ سنوية السائق الذي معي على الرغم من انني اعطيته هويتي الصحفية واعلمته بمهمتي كصحفي مسموح لي بالتنقل.
لم تستقر الصورة (المشرقة) التي شاهدتها لأول مرة بداية العام 2004 قرب تقاطع مبنى المحافظة القديم في عيني طويلًا، صورة الشرطي الوطني، الذي وقف ينظم السير ويوجه الناس، كنت حالمًا كأي عراقي بعهد جديد. قلت لقد ولى والى غير رجعة الشرطي الذي يتعقبني في المقهى، ويبتزني في مركز الشرطة، لكني وللاسف صحوت من حلمي الكاذب ذاك فالصورة ما زالت هي هي.