لطفية الدليمي
1
لم يكن جورج أورويل معروفاً لدى قراء العربية قبل عقد الثمانينات من القرن الماضي باستثناء ترجمة لم تشتهر لروايته "1984" للأديب السعودي الراحل عزيز ضياء صدرت عن دار تهامة عام 1984 .
عُرِف أورويل طوال عقود باعتباره مراسلاً حربياً وصحفياً في الصحافة البريطانية ، ولم تسلط الأضواء عليه أديباً معروفاً كما هو الحال مع الكتاب البارزين أمثال دوريس ليسينغ وجون فاولز و تيد هيوز و هارولد بنتر وفيرجينيا وولف .
سنة 1984 أصدرت مجلة الثقافة الأجنبية - التي كنت أعمل فيها - ملفاً عن أورويل تزامناً مع عام الإحتفال بروايته (1984) في بريطانيا ، وكلفت المجلة عدداً من المترجمين العراقيين والعرب بالمواد التي إرتأت نشرها في الملف وبينها بعض القصص القصار لأورويل وأبرزها قصة (إطلاق النار على فيل) وأجزاءٌ من روايته (أيام بورما) حينما كان يعمل في قوات الشرطة البريطانية إضافة لمختارات من مقالاته الصحفية ، ولم تتوفر للمجلة دراسات نقدية مهمة عنه في الصحافة الأدبية البريطانية الرصينة الصادرة حينها.
2
لم يكن المزاج الثقافي العام في بريطانيا وأوروبا حين صدور آخر رواياته (1984) - التي كتبها في 1984 ونشرت في 1949 - يعتد بأعمال أورويل بل أثير الجدل حول قيمتها الأدبية ، كما إعتبرها بعض النقاد والنخب الثقافية البريطانية أعمالاً لاترقى إلى المستوى الإبداعي الجدير بالإعتبار ؛ بينما عدّها مثقفو اليسار الأوروبي عملاً هزيلاً لايمكن أن يحسب على الأدب البريطاني الرصين لتصنيفها ضمن أدب (البروباغاندا) الموجهة ضد المنظومة الاشتراكية على الرغم من تصريح أورويل بأنه اشتراكي ديموقراطي ويقف ضد النظم الشمولية مع أنه كان مشاركاً في الحرب الأهلية الاسبانية كما يذكر في كتابه (تحية الى كاتالونيا) ، وحصل أن أتهِمَ بالميول الفاشية مرة وبالتروتسكية مرة أخرى ولاحقته الحكومة الإسبانية بإصدار مذكرة إلقاء قبض عليه لكنه استطاع الهرب والعودة الى بريطانيا .
خلال ثلاثة عقود لم تلق رواية أورويل (1984) إهتماماً يذكر حتى سنة إحياء ذكرى صدورها سنة 1984 حين توالت طبعاتها هي وروايته الأخرى (مزرعة الحيوان) مع أن هيئة الاذاعة البريطانية BBC أنتجت مسلسلاً عن عن الرواية في 1954 عندما كان أورويل يعمل فيها، وفي العام 1956 أخرجها للسينما مايكل أندرسون بإنتاج هزيل ، وفي عام 1984 تم انتاج فيلم بميزانية كبيرة من اخراج مايكل ردفورد أدى فيه ريتشارد بيرتون آخر أدواره ونال جائزة البافتا البريطانية كأفضل ممثل فأسهم الفيلم في تعزيز شهرة الرواية، وشاهدنا هذا الفيلم خِفية في التسعينيات بالفيديو كفيلم ممنوع .
إكتسبت الرواية بعد تفكك المنظومة الاشتراكية وإحكام قبضة النظام العالمي الجديد على السياسة الدولية شهرة مضافة ووظفت توظيفاً سياسياً بارعاً وترجمت لعدد من اللغات العالمية من بينها العربية، ليأتي العام 1999 حين فجرت الكاتبة البريطانية فرانسيس سوندرز فضيحة ثقافية بكشف كتابها "من يدفع للزمار- الحرب الباردة الثقافية" عن الدور الخطير الذي لعبته CIA في تجنيد عدد كبير من مشاهير الفنانين والأدباء العالميين كعملاء في أجهزتها وكان إسم اورويل في قائمة المتعاونين، وفي سنة 2010 صدر كتاب (إم آي 6 : تاريخ جهاز الاستخبارت السرية البريطانية من 1909 إلى 1949) لمؤلفه البروفيسور كيث جيفري الذي أعلن فيه أسماء كبار الأدباء المتعاونين ومن بينهم غراهام غرين وآرثور رانسوم وسومرست موم وكومبتون ماكنزي والفيلسوف أ. ج. فريدي آيار، بينما ظهر إسم أورويل فيه كعميل لجهاز الاستخبارات البريطاني المحلي(إم آي 5) الذي وظف روايته (مزرعة الحيوان) لمحاربة الاشتراكية وأنفق على ترجمتها للغات عالمية عديدة .