تواصل المدى نشر الأعمدة الثقافية، والتي سبق وأن أرسلها الفنان الرائد الراحل سامي عبد الحميد إلى المدى، بغية النشر. والمدى إذ تنشر هذه الأعمدة تؤكد الحضور الثقافي الفاعل الذي كان يميز فناننا الكبير.
سامي عبد الحميد
- 7 -
بعد (أبيا) و(كريغ) استبعد المصممون والمخرجون التقنيات الإيهامية واستبدلوها بالمناظر المجسمة وعليه فأن المرحلة من 1880 الى 1920 حدث التغير التام في السينوغرافيا الغربية. وبعد عام 1900 ظهرت في روسيا المجلة الدورية المسماة (عالم الفن) عام 1898 لصاحبها (دياغليف) وقد انتشرت رؤيته بعد أن قدمت فرقة (باليدروس) عرضاً في باريس عام 1909 . مشتغلاً مع مصممين أمثال (باكست) و(غونشا روفا) و(بينوا) طور (دياغليف) أسلوباً سينوغرافياً تمت محاكاته بشكل واسع . رغم كونه تقليدياً بطرق عديدة (تكون المنظر من ستارة خلفية مرسومة) إلا أن السينوغرافيا كانت تميل الى التجريد. وبخلاف (آبيا) و(كريغ) فقد احتظنت (فرقة باليد روس) الفخامة والوفرة والألوان الجريئة والزخرفة الفنية رؤية لما هو شرقي مع المصمم (باكست) والرسومات البيزنطية الشعبية مع (غونشا روفا) وإعطاء أجواء نفسية حديثة وبدائية مقدسة ومنحطة ، ومناظر مثيرة مع موسيقى (سترافنسكي ورقص الراقص (نجنسيكي).
ومن الابتكارات التي ظهرت في روسيا بعد الثورة كانت التركيبية قد برزت حوالي عام 1920 . وفي عام 1920 أخرج (تابيروف) مسرحيته (روميو وجوليت) وكان تصميم المناظر لها متأثراً بالمذهب التكعيبي وبأشكال تجريدية أشبه بالدوامة للمصممة (اكستر) والتي مهدت للابتكارات الجريئة للمخرج (ميرهولد) في السنة نفسها وفي انتاجه لمسرحية ماياكوفسكي (مستبري – بوفه) .
وقام بتصميم المنظر لها (أنطون لافينسكي) و(فلاديمير خاراكونسكي) هنا فسح الرسم المجال لما هو معماري ، منصات بارتفاعات مختلفة وتقاطعها سلالم ومماشي ومنحدر يتجه نحو صالة المتفرجين . وفي السنة التالية برزت التركيبة عندما صممت المصممة (بوبوفا) مسرحية (ميرهولد) المعنونة (المخدوع الرافع) . وكان إبداع (بوبوفا) عبارة عن ماكنة مسرحية ذاتية الحركة يمكن وضعها في أي مكان أو يمكن استعمالها في أي إنتاج مسرحي كانت تلك الماكنة متعددة الوظائف ولا تمثل شيئاً بل تشابه تقاطعاً بين جمنازيوم محتشد وباطن ساعة كبيرة وهو تجميع يناسب تماماً تطبيقات ميرهولد للبايو ميكانيك . وكأن منظر المسرحية ماكنة للتمثيل احتفالاً بقدوة المكائن.
كانت السينوغرافيا التعبيرية من موروثات (آبيا) حيث أكدت على التجريد في الشكل والتبسيط في اللون والمبالغة في الصور المركزية والمؤثرات Chiaroscuro وبدلاً من الصورة الموضوعية قصدت التعبيرية إعادة خلق الجو الفرنسي للمنظر أو التبصر في كيفية احتمال ظهورها متوسطة بواسطة اقصى الحالات العقلية . اثبتت ابتكارات الإضاءة مثاليتها في مسار الوعي وهي النموذج في طروحات التعبيرية . ثم تبنى تقنيات التعبيرية في المانيا وشمالي أوروبا مع مخرجين أمثال (فيهلنع) و(جسنفر) ومصممين أمثال (بيرخان) .
أواسط العشرينيات من القرن التاسع عشر وفي ألمانيا قدم المسرح الملحمي لبيسكاتور رؤى جريئة عن الآلية الواسعة والتي استخدمت التصاميم المسرحية الوظيفية والآلية . وكان المقصد من سينوغرافيا (بيسكاتور) احتواء المهام الجريئة للجمهور بواسطة الكولاج والمسارح الدوارة والمصاعد والأحزمة والشاشات الشفافة والصور المنعكسة وتغيّرات الإضاءة الدرامية . وفي مناقشة تلك التطبيقات لذلك الطليعي (بيسكاتور) والطليعي الآخر (ميرخولد) كونها سلبية واستنساخية وغير ثورية ، قام (بريخت) بتطوير نظرية للسينوغرافيا مدينة لطروحاتهما . وبالنسبة له فأن المؤثرات المسرحية المتباينة يجب أن تُجمع لا لخلق مكان موحد بل لأجل إظهار الطبيعة التركيبية للحرفة المسرحية والمهمة المستقلة لكل عنصر من العناصر المسرحية بهدف تشجيع الجمهور لأن يتخذوا موقفاً نقدياً تجاه الأفكار الكامنة وراء العرض المسرحي . ومن بين السينوغرافيين الثلاثة الذي عمل معهم بريخت (منهر) و(اوتو) و(كارل نون آبين) ، كان (منهر) على علاقة وثيقة ببريخت من عام 1923 الى 1953 .