ترجمة: أحمد فاضل
قد يبدو ألفريد هتشكوك خياراً صعباً حين نمر على أفلامه منذ عام 1958 حتى عام 1963 ، " الدوار " ، و " شمالاً إلى الشمال الغربي " و " سايكو " و " الطيور " ،
وهي أفلام يعرفها الجميع تقريباً ، لكننا سنتوقف لنُلق نظرة قريبة على فيلم آخر رائع له هو " الحبل " ، الذي يكاد يكون الوحيد الذي لم يتوقف عنده النقد السينمائي تحليلاً ورؤية ، الفيلم عرض عام 1948 ، وهو من أكثر تجاربه روعة كسر من خلاله قواعد كثيرة كانت السينما قد توارثتها عن كثير من المخرجين وصناعها ، منها كيفية صناعة فيلم ناجح بأقل التكاليف ، وتخلّيه عن اللقطات غير المتقطعة لصالح اللقطة الواحدة والمستمرة ، حيث صوّرت أكثر مشاهد الفيلم داخل شقة في نيويورك .
يبدأ الفيلم بقيام رجلان أحدهما براندون ( جون دال ) وفيليب (فارلي جرانجر) بخنق صديق لهما بالحبل منذ أن كانا في المدرسة سوية ويدعى ديفيد ، لم يطلعنا الفيلم بدايةً سبب قيامهما بقتل صديقهما بهذه الطريقة البشعة ، وهي إحدى الطرق الإخراجية الصادمة لهتشكوك في جعل المتفرج ، يعيش لحظات مشاهدته للفيلم بالتعرف على سبب حدوث هذه الجريمة المروعة ، وبعد مفارقته الحياة قاما بوضعه داخل صندوق كبير يستخدم في حفظ الكتب ، وغطوا الصندوق بغطاء مفرش المائدة لاستخدامه كطاولة تقديم في الحفلة ، يحضر والد الرجل الميت ( سيدريك هاردويك ) والعمة (كونستانس كوليير) وصديقته (جوان تشاندلر) ، إلى جانب روبرت (جيمس ستيوارت) ، الجميع يشاركون أجواء الاحتفال بحميمية ظاهرة ، لكنهم يفتقدون المجني عليه ، وعندما يحتدم السؤال عنه تتكشف رويداً رويدا خيوط الجريمة .
كان هذا هو الفيلم الثالث من بين خمسة أفلام صورها هتشكوك منذ عام 1930 ، استناداً لمسرحية كانت تحمل نفس الاسم لمؤلفها باتريك هاميلتون ، كانت تعرض منذ عام 1929 وكتب السيناريو له آرثر لورنتس ، الغريب في فيلمه هذا أن هتشكوك حاول الحفاظ على الأجواء المسرحية نفسها ونقلها إلى الشاشة الكبيرة وفق حركة أبطاله داخل شقة وكأنها إحدى ديكورات المشهد المسرحي ، وبتكرار المشاهد المصاحبة للفيلم نكتشف أنها واحدة من أفضل الأماكن للحصول على شعور هتشكوك ، باعتباره سيداً في تقنية مثل هذه الأفلام ، إنه يريد إضافة بصمة جديدة من بصماته الرائعة للمشهد السينمائي – الإخراجي خاصة - وبالطريقة التي نقلها من المسرح إلى السينما بنفس روحيتها .
وقد تلمسنا تحرراً واضحاً من القيود التقنية التي تحفل بها غالبية
الأفلام ، بما فيها أفلامه السابقة واللاحقة ، وطيلة 80 دقيقة وهي المدة التي استغرقها عرض الفيلم ، وجدنا الكاميرات تعمل براحة تامة ولم تغادر مكانها إلا قليلاً ، كما نشاهد تدافع الكاميرا للقطات المقربة ، ووقوفها على مدبرة المنزل ( إيديث إيفانسون ) التي تزيل الشموع ومفرش المائدة من خزانة الكتب التي يكون جسم ديفيد مخفياً فيها ، وبمجرد اختيار جانب معين من الشقة ، سيؤدي قطع اللقطة من الجانب المقابل إلى إرباك المشاهدين للحظات ، فلا توجد سوى حالات قليلة عندما تتخطى الكاميرا ذلك الخط في الفيلم بمهارة ، عندما يكون روبرت على وشك اكتشافه دوافع الجريمة والمجرمين .
" الحبل "هو أول فيلم ملوّن لهتشكوك ، وكأنه اقترب من لوحة فنان إنطباعي أو تأثري عندما وضع خلفية للنافذة التي تطل على مدينة نيويورك ، هي صورة فوتغرافية بانورامية صورها كثيراً مع غروب الشمس ، أعطت انطباعاً مؤثراً لاشتغالات هذا المخرج الرائع الذي لم يتخلَ عن مشهدية المسرح وهو ينقل صورته للسينما .
عن / صحيفة نيويورك تايمز