علي حسن الفواز يبدو ان غياب ثقافة النقد العربي، وتشوه أدوارها في مواجهة إشكاليات الأزمات الثقافية المعرفية والجمالية العربي، باتت اكثـر للاسئلة، وربما اكثـر رعبا ازاء انعكاساتها على اشكاليات اشتغالات العقل العربي المعاصر..
هذه الإشكاليات تكشف في جوهرها ازمة السلطة المعاصرة، وازمة الوعي الشقي، او أزمة الإنسان الذي صنعت منه نمطيات الصراع التقليدي تابعا لمهيمنات القوة، وخاضعا لثنائياتها المثالية المفرطة في يقين قراءاتها لازمات التاريخ والخطاب والإنسان، تلك الأزمات التي ارتبطت بازمة صناعة الدولة المعاصرة، وأزمة قواها التقليدية(السياسية والعسكرية والاقتصادية والثقافية).ازمة صناعة النقد تتجوهر في ازمة صناعات اكثر تعقيدا، ومنها صناعة الدولة، اذ النقد لم يعد خطابا خارجيا من منظومة الفكر، ولم خطابا في انسنة السلطة الأبوية والفقهية، بقدر ما اصبح امام تهديد لعبة موته، موت مفاهيمه ونصوصه، تلك اللعبة التي تفترض وجوده خارج غواية السلطة المنتج الأكبر لازمات المفاهيم والحريات والخطابات، فضلا عن مواجهته الرمزية لمرجعيات القوة التقليدية في الدولة التقليدية.. فان هذه الأزمات تفترض ايضا مواجهة ازمات اخرى منها ازمات المناهج، وازمات المرجعيات، وازمات الانساق الحاضنة لفعالياتها المتعددة والمتنوعة. هذه الازمات بدت اكثر خطورة وتهديدا، لانها ارتبطت بازمة السلطة القديمة التي لاتقبل النقد و لاتميل الى اشاعته، وكذلك بازمة الايديولوجيا التقليدية(ايديولوجيا المثال، والرعوية والقوة المفرطة)والتي شرعنت انساقا مغلقة لمفاهيمها وافكارها، فضلا عن مايقابلها في واقعنا المعاصر والذي يرتبط بازمة المؤسسة الثقافية(الرسمية والمدنية) وهشاشة وجودها وضعف دورها، ناهيك عن اقترانها بازمة غياب المشروع الثقافي الواضح الذي يتبنى طروحات النقد باعتبارها اساسا للحراك الثقافي.اغلب المدارس النقدية التي ارتبطت بمنظومات الدولة القديمة، او منظومات المثال والقياس التي أنسنت لإشاعة رؤى محددة لمفاهيم ارتبطت بالنقل التقليدي، فقدت الكثير من قوة حضورها ازاء نزوع الكثير من الاشتغالات الفكرية نحو موجهات العقل الذي ارتبطت بالحركات الاعتزالية على مستوى التاريخ، وارتبطت بالفلسفات الحديثة على مستوى اعادة صياغة النظريات المعاصرة التي اعادت للعقل مكانته الحقيقية..الاتجاهات التقليدية في النقد التي كانت تؤسس مشاريعها الثقافية القلقة في ضوء لمعان الظواهر التي تظهر هنا او هناك، اصبحت امام اشكاليات أكثر تعقيدا، خاصة بعد انهيار نموذج الدولة السلطانية، وبدء عصر الدولة الجديدة، ليس لان هذه الاتجاهات بدأت تعاني من اضمحلال دورها، بقدر ما ان هذه الاتجاهات كشفت عن موتها الإنساني والفلسفي، اذ انها فقدت اهلية خطابها الذي سرعان ما يختفي تحت هاجس الخوف أو الضعف وهشاشة البرنامج أوهروب النموذج !او ربما تحت ضغط السلطة العنفية(سلطة العسكر، او سلطة الايديولوجيا، او سلطة التكفير)والتي تجد في النقد تهديدا لوجودها وكشفا لعيوبها، مثلما نجد تأثيرات واضحة لتمثل انزياحات الاخر بكل برامجه وافكاره وتثاقفاته والتي بدأت ترحل صوبنا بكل ضجيجها وبكل ما تحمله عرباتها السريعة. ازاء هذا التراكم وطبيعة الاشكالات والتعقيدات التي تواجه مؤسسة النقد، نجد ان اصحاب الخطاب النقدي المعاصر اصبحوا امام ازمات استغرابية، تلك التي تضعهم بمواجهة اشكاليات من الصعب قراءة ملفاتها دون حيازة الاليات والادوات والمجالات التي تؤهلهم لتجاوز عقدة التاريخ والنص، اذ ليس بمقدروهم ان يمارسوا حضورا كاملا، وتبني اي برنامج تأهيلي وقابل للتنفيذ المباشر بعيدا عن مواجهة تلك الازمات، خاصة تلك الازمات التي ترتبط بازمة توصيف الدولة، ازمة نظامها السياسي والاقتصادي والتعليمي والاجتماعي، وازمة تأهيل الثروات والقوى الاجتماعية وتأهيل البنى التحتية التي تستوعب فكرة التحول من الدولة القديمة التقليدية الى الدولة المعاصرة، دولة البناء المؤسساتي، ودولة المواطنة والعدالة والحقوق. هذه الدولة لايمكن التوافر على شروطها دون نقد الدولة القديمة، ودون ان يتحول هذا النقد الى مؤسسة لها هويتها ولها قوتها الدافعة.و لكي يمارس صانعو المشروع النقدي ادوارهم الفاعلة في نسق الدولة المعاصرة وفي نسق المجتمع المعاصر القائم على اسس التنوع والتعدد، عليهم اولا اعادة قراءة تاريخ الازمات وطبائعها، خاصة تلك الازمات التي ارتبطت بالسلطة والتاريخ والجماعات، وثانيا اعادة قراءة نمطية العلاقات التي تجوهرت فيها الجماعات العرقية سياسيا وطائفيا والتي اندمجت مكوناتها الاثنوغرافية قهريا تحت مهيمنات القوة الغاشمة التي تملك جهاز عنفها السلطة. من هذا المنطلق نجد ان قراءة مفهوم النقد الثقافي، بات يملك اكثر من هامش، ليس انه يتجاوز نقد الخطاب الى نقد النسق، بقدر ما ان هذا النقد يملك اهلية النفاذ الى الطبقات العميقة التي اسهمت في صناعة(الوعي الشقي) للجماعات، تلك الجماعات التي تحولت في ظل نظام الرعوية الى قوى تابعة، لذا لامناص من الحديث عن شمولية واهلية هذا النقد، ليكون نظاما ومؤسسة يمكن ان تؤّمن صناعة الخطاب
ثقافة النقد ..نقد ثقافة الدولة والجماعات
نشر في: 10 مايو, 2010: 05:19 م