ثائر صالح
بحث الفنانون عن كل ما هو غريب ومثير للانتباه ليقدموه في أعمالهم. لذلك يصدف أن نعثر في جولاتنا على أسماء مثيرة أطلقت على الأعمال أو الأشكال الموسيقية.
وقد تحدثت عرضاً مرة عن الشكل الموسيقى "قانون" الذي استعمله مؤلفو الباروك المتأخر، وهو اسم اقتبس من اليونانية ومعناه العمود المستقيم وكذلك المقياس، وقد دخل اللغة العربية كذلك بفعل الترجمة من اليونانية (القانون). ونجد في لسان العرب: "وقانون كل شيء: طريقُه ومقياسه. قال ابن سيده: وأُراها دَخِيلَةً". وبمناسبة اللغة اليونانية، هناك أداة موسيقية من الأدوات القصبية اسمها كالاموس استعملت في عصر الباروك، وهي تشبه الأوبو. تعني كلمة كالاموس باليونانية القصب، ومنها اقتبست العرب كلمة القلم، وكان القلم يصنع من القصب يبرى ويغمس في الحبر، وقبلها استعمل للكتابة على الرقم الطينية.
من غرائب الموسيقى الأوروبية العنوان المسمى زخارف عربية (ويسمى باللغات الأوروبية Arabesque). تعرّف قواميس الموسيقى مصطلح الأرابيسك "عنوان اقتبس من الفنون المرئية يطلق أحياناً على مقطوعات قصيرة تتميز بالزخارف" (قاموس بنغوين الموسيقي الجديد). ويقارنه بعض الباحثين بالزخرفة العربية في العمارة التي تعرف عليها الأوروبيون في الأندلس وفي الصناعات والمشغولات العربية مثل الأقمشة المطرزة التي وصلتهم منذ العصور الوسطى. ونشعر في الكثير من الأمثلة محاولات تقليد عالم الأصوات الموسيقية العربية.
نجد أمثلة على هذه التسمية تعود لعصر الباروك (1717) الفها الموسيقي الفرنسي قطعة ارابيسك من الكتاب الرابع لمقطوعات الفيول من تأليف عازف الفيول الشهير ماران ماريه (1656 – 1728) الذي مال الى إبراز الزخارف. بعده كتب روبرت شومان (1810 – 1856) الموسيقي اللامع من العصر الرومانتيكي قطعته أرابيسك عبر فيها عن "الروحية العربية" الملتهبة والمتفجرة. أما الرومانتيكي الاسباني المتأخر أنريكه غرانادوس (1867 – 1916) فكتب أرابيسك ضمن مجموعته 12 رقصة إسبانية عاد بها الى جذور التراث الموسيقي الأندلسي. وتعد مقطوعتا الفرنسي كلود ديبوسي (1862 – 1918) للبيانو الأشهر بين كل هذه الأعمال، لكنهما في نفس الوقت تعطيان تفسيراً جديداً مغايراً للتفسير المعروف الذي يربط الاسم بالعمارة العربية (الزخارف المعمارية).