محمد حمدي
أتفق تماماً مع بنود النظرية العالمية التي تقول إن العالم بعد جائحة كورونا ليس كما هو قبلها في جميع الميادين والضروب التي عرّت دولاً بعينها كنا نعتقد أنها على مستوى الكمال في كل شيء،
المرض وحظر التجوال واستجداء الكمّامات والكفوف حدّ القرصنة فضح الاستعدادات الكبرى وأزاح الستار تماماً حتى قبل أن يصل المشهد ذروته، التجربة بحلوها ومرّها أفرزت الكثير وستفرز أيضاً طالما استمرّت تداعيات الوباء تفرض نفسها على العالم، ولكي لا نغوص في أتون الحياة وتشعّباتها سنتحدّد بعالمنا الرياضي الساحر الذي تعرّض هو الآخر لهزّة عنيفة قد تكون لها فوائدها مستقبلاً حيث لا يمكن للوباء أن يستمر الى الأبد فحتماً ستفرج بيوم من الأيام يتم الإعلان فيه عن عقار للشفاء وآخر مضاد للإصابة.
إيقاف جميع الأنشطة الرياضية وأولها دوري النخبة الكروي واستعدادات المنتخب للاستحقاقات الدولية فرض للمرة الأولى الاتفاق على أن عدد الأندية لا يمكن أن يستمر بهذا الشكل الذي نعرفه كروياً وصارت الحناجر تصدح من هيئة التطبيع ومن يقف معها بضرورة التقليص وإن تراكم الأخطاء السابقة لا يمكن أن يستمر بعد تردّي الوضع الاقتصادي الى حدود قريبة من الصفر المئوي.
أندية تعتاش على هبات الحكومة ولم تجد لنفسها فرصة أو فسحة لولوج عالم الاستثمار كما هو الحال مع الدول الأخرى، ولكن جل ما نخشاه أن يكون الحديث حبراً على ورق للاستهلاك المحلي ليس إلا خاصة وأن الجميع يعلم الأخطاء وفداحتها، وما أن يحين وقت التعديل حتى نرجع الى الوراء ويتم التنازل التدريجي عن مفردات الإصلاح تحت ضغوط العلاقات الشخصية والتهديد والوعيد وغياب القانون، المهم إن الوقت بعد الذي حصل ونراه لا يمكن أن يسير بذات الطريقة القديمة، وعلينا أن نلتزم الحدية والجد في إدارة المال والاعمال والمرونة في التعامل حيث لا يمكن أن تبقى مؤسساتنا الحكومية بقانون استثماري غاية في التعقيد والروتين الموروث بكل عقده يوصد الأبواب أمام أية فكرة حقيقية خلاقة لدخول الأندية الى هذا العالم الرحب.
ملاعب كبيرة ومنشآت على درجة من الرقي مسجّلة باسم الحكومة وتديرها الحكومة وتؤجرها ولا تملك خطّة حقيقية لاستثمارها سوى من زج أعداد هائلة من الموظّفين هُم في الغالب من غير المختصين وجُلّ الاهتمام ينصبّ على اصفرار النجيل وتحطم المقاعد بقصد من الجمهور أو استهلاكها بتأثير حرارة الشمس ولا يفوق استخدامها جماهيرياً في العام الواحد أكثر من عشرة أيام في السنة وكأنها وضعت أو صُمّمتْ من أجل غرض المشاهدة لا أكثر من ذلك.
اليوم وبعد فترة التقاط الانفاس الإجبارية أدركنا كم نحن بعيدون عن العالم من حولنا، وأدركنا أن الركب تركنا لمسافات شاسعة جداً بجميع مفاصلنا الرياضية، ولننظر على سبيل المثال لا التحديد ونرى أن الاتحادات الرياضية هي مؤسّسات قابضة بعيدة عن فن الإدارة وقريبة من مهمة ترتيب السفرات والمشاركات وتخلو سجلاتها من الرقابة المالية والتدقيق المصرفي والحسابي بأوراق معطّلة منذ زمن سحيق ومناهج مستنسخة في شهر كانون الثاني من كل عام لا يطبق من الأنشطة فيها سوى أقل من ربعها ، وحيرة وارتباك حدّ الجزع إزاء أية مشكلة تواجهها، كما حصل مع اتحاد رفع الاثقال ومصيبة المنشطات لأبرز أبطالها ليضيف وزير الشباب والرياضة طامة أخرى لاتحادات أخرى سيطالها ذات الكرب ومن الاتحادات الدولية التي أشرت تناول الرياضيين فيها لمكملات غذائية محظورة أو منشطات كارثية، قد تصل العقوبة معها مجتمعة حدّ تعليق أنشطة ومشاركة المنتخبات العراقية في البطولات الخارجية !
إزاء كل هذه الأحداث ومراراتها لا يمكن أن نصحوا بعد جائحة كورونا وقد عدنا الى المشهد ذاته، بل يجب ولابد أن ينقلب كل هذا الحال المأساوي رأساً على عقب، ونعيد تقييم إدارة وأسلوب عمل رياضتنا بشكل جديد يواكب التطوّر في العالم، ويعمل بالأطر الصحيحة لبناء رياضة سليمة تقف على أول الطريق بانتظار أن تحثّ الخطى نحو الألف ميل وما ينتظرها من تشريع القوانين التي ستصدر للأندية والاتحادات واللجنة الأولمبية وربما كانت هذه القوانين هي البادرة المنتظرة للتغيير.