اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > باليت المدى: أعظم مغنٍ في هولندا أصله عربي

باليت المدى: أعظم مغنٍ في هولندا أصله عربي

نشر في: 10 مايو, 2020: 09:08 م

 ستار كاووش

تعرفت على أغانيه قبل أكثر من عشر سنوات، وصادف ذلك في السنة التي توفي فيها مع الأسف، حين أهدتني صديقتي (سي دي) يحمل مختارات من أغانيه، ومن يومها تعلقت روحي بصاحب (هدوء في أمستردام) ولا يكاد يمضي يوم دون سماع أغانيه، خاصة أثناء الرسم،

حتى صرتُ أُعيد بعض الأغاني عشر مرات أو أكثر في اليوم الواحد، دون أن تفقد شيئاً من جاذبيتها وتأثيرها، وهي تعلو في فضاء المرسم بذلك الصوت الذي أعتبره أجمل من نطق اللغة الهولندية. فما حكاية هذا المغني؟ وكيف إستحق أن تنتج هولندا مسرحية غنائية ساحرة تتناول سيرته الشخصية، وما الذي دعا التلفزيون الهولندي أيضاً لإنتاج مسلسل تلفزيوني عظيم عن قصة حياته؟ وفوق كل هذا، كيف أختيرت من قبل الكثير من النقاد والمعنيين أغنيته (سامي) لتكون أجمل أغنية في تاريخ الغناء الهولندي؟ كيف أصبح هذا المغني الغريب، النادر، نصف العربي، أيقونة تتناقلها السنوات وتعيد ترديد أغانيه كل الأجيال؟ 

هكذا كانت حياة رمسيس شافي (١٩٣٣-٢٠٠٩) حيث ولد في ضواحي باريس لقنصل مصري إسمه محمد شفعي (الهولنديون يلفظونه شافي) وأم روسية-بولونية تنتمي الى طبقة البارونات، وبعد ولادته إختفى أبوه في ظروف غامضة، ليبقى مع أمه التي أصابها مرض السل وتوفت بعد أن أرسلته وحيداً في القطار وهو بعمر سبع سنوات حيث خالته التي تنتظره في هولندا، والتي توفيت هي الأخرى، لترعاه عائلة هولندية في مدينة لايدن، وكبر الصبي رمسيس وسط هذه العائلة التي تحب الموسيقى، تماماً مثل أمّه البارونة التي ظلَّ يتذكر منها فقط عزفها للموسيقى واصطحابه الى محطة القطار الذاهب الى الشمال. 

لم أتعلق بمغنٍ أو موسيقي مثلما تعلقت برمسيس أبداً، وذلك لأني رأيت صورتي به وصورته بي، لقد رأيته يشبهني كثيراً، أو بالأحرى أنا الذي أشبهه، لقد سحرتني شخصيته وملأت لي الثغرات التي لم استطع ملئها في هذه الحياة. أحسستُ معه بروح الفنان التي تتماهى مع إبداعه، حيث عاش كما يريد، وجعل الفن والحياة شيئاً واحداً وهو يمزج بين الوجودية والصعلكة وأجواء الهيبيز، ويملأ الدنيا بأغانيه التي تتعلق بحياته وما ويطمح اليه، فنراه يعبّر في أغنية (دعني) عن المضي في طريقه الخاص وهو يحيي الصداقة والمحبة، وفي أغنية أخرى نسمعه ينصح صديقه سامي بالنظر الى الأعلى حيث الأمل والسماء الصافية، وفي رائعة (القطار الذاهب الى الشمال) يتذكر أمه وهي تضعه وحيداً في القطار، وفي أغنيته العظيمة (هدوء في أمستردام) يعبّر عن وحدته حين يعود ليلاً من الحانة لا يصادفه أحد ولا يكلمه صديق في شوارع امستردام الخالية. كان رمسيس ومازال يبث روح الجمال والمحبة والحماس عند كل الهولنديين، لذا أنشدت كثيراً هذه الأيام أغنيته التي أصبحت من رموز أمستردام وهولندا وأُعيد سماعها في كل البلد بسبب ظروف "كورونا" وأقصد أغنية ( غنّي، صارع، إبك، صلِّ، إضحك، إعمل، تعَجَّبْ... لكن ليس بدوننا). لا يكاد يمر يوم دون أن تسمع عنه شيئاً، ليصبح إسمه دليلاً على الفن العالي والانغماس بالإبداع والحياة لجعلهما قلادة تزين فن وثقافة هولندا، حيث يعتبر من الشخصيات القليلة جداً التي استحقت مكانة النجم الساحر والمؤثر. 

عاش رمسيس حياته طولاً وعرضاً، وكان يعود الى بيته منتصف الليل ثملاً، لكنه يفضل-هو النجم الشهير- التوقف في الشارع لمشاركة أحد الصعاليك على مصطبة الشارع، حيث يدخن ويشرب ويغني معه حتى الفجر، وعند الصباح ينهض من غفوته ليودع الصعلوك الذي ما زال مأخوذاً بالمفاجئة قائلاً ( شكراً للضيافة)، أو حين عاد ذات مرة الى بيته ووجد إحدى الشركات قد حجزت على البيت بسبب الدائنين، فرضخ للأمر الواقع وسلمهم البيت بمحتوياته، لكنه حين مَدَّ يده لأخذ قنينة النبيذ التي جلبتها له المغنية (إليزابيث لِيست) قبل يومين، منعوه من ذلك بحجة أنها من ضمن الممتلكات المحجوز عليها، فما كان منه سوى ان يشتري منهم القنينة بآخر عشر فلورينات يملكها، ليحملها ويعود باحثاً عن مصطبة جديدة وصعلوك آخر يشاركه السهرة. 

كان رمسيس يدخل حانات أمستردام يعزف على البيانو ويؤلف الأغاني ويغنيها هنا وهناك وسط صياح المعجبات، وذات ليلة دخل الى واحدة من هذه الحانات، وهناك تناهى الى سمعه صوت أحد في الحانة وهو يغني، فقال لصاحب الحانة (يالها من أغنية رائعة) فما كان من صاحب الحانة سوى أن يقهقه عالياً وهو يقول للعبقري المنذهل (إنها أغنيتك يارمسيس، لقد ألفتها وغنيتها هنا البارحة). 

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. Anonymous

    رغم الحزن الكبير في تفاصيل حياته الا أن الامل ينتصر في النهاية شوقتني لسماع الاغنية رغم انني لا اجيد الهولندية لكن بالتأكيد سأحبها لانك أجدت كالعادة

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

من دفتر الذكريات

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

 علي حسين في السِّيرة الممتعة التي كتبتها كاترين موريس عن فيلسوف القرن العشرين جان بول سارتر ، تخبرنا أن العلاقة الفلسفية والأدبية التي كانت تربط بين الشاب كامو وفيلسوف الوجودية استبقت العلاقة بين...
علي حسين

كلاكيت: الجندي الذي شغف بالتمثيل

 علاء المفرجي رشح لخمس جوائز أوسكار. وكان أحد كبار نجوم MGM (مترو غولدوين ماير). كان لديه أيضا مهنة عسكرية وكان من مخضرمين الحرب العالمية الثانية. جيمس ستيوارت الذي يحتفل عشاق السينما بذكرى وفاته...
علاء المفرجي

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (2-2)الحكومة الجمهورية الأولىعشت أحداث الثورة في بغداد ثم عشت مضاعفاتها في النجف وأنا في الخامسة عشرة من عمري. وقد سحرتني هذه الحيوية السياسية التي عمّت المدينة وغطت على طابعها الديني العشائري.في متوسطة...
زهير الجزائري

ماذا وراء التعجيل بإعلان "خلو العراق من التلوث الإشعاعي"؟!

د. كاظم المقدادي (1)تصريحات مكررةشهدت السنوات الثلاث الأخيرة تصريحات عديدة مكررة لمسؤولين متنفذين قطاع البيئة عن " قرب إعلان خلو العراق من التلوث الإشعاعي". فقد صرح مدير عام مركز الوقاية من الإشعاع التابع لوزارة...
د. كاظم المقدادي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram