علي حسين
كان عبد الرحمن الشرقاوي علامة من علامات الثقافة العربية، التي نفتقد ملامحها هذه الأيام، انتمى لليسار المصري منذ شبابه، وتولّع بكتاب رأس المال ونهج البلاغة واعترافات روسو، وأُغرم بكتابات فولتير وحفظ لزوميات المعرّي، فأصبح يشرحها لقرّاء مقاله الأُسبوعي .
يكتب في واحدة من مقالاته أنه "في قريته الصغيرة، كانت أُمه تحدّثه عن صلابة عمر وعدل عليّ، وكان حديثها عن تضحية الحسين يسحره، فيجد في كلماتها تعبيرًا حقيقيًا عن آلام الناس ومعاناتهم". ويضيف "بعد أن ضاقت بنا سُبل التقدم والرفاهية والاستقرار، ويفتك بعضنا بالآخر، والناس، ارتأيت أن أكتب شيئًا عن ذلك وطبعًا كنت قد قرأت نهج البلاغة وعشت محنة علي بن أبي طالب وتأثرت به فوجدته صاحب ثورة إنسانية واجتماعية وفكرية، فكان لزامًا عليّ أن أُسلـِّط الضوء على هذا الفكر الذي أنار لي الدرب".
سبَق الشرقاوي إلى الانبهار بالإمام وسيرته المصريان الكبيران ، العقاد في كتابه " عبقرية الامام علي " وطه حسين في كتابه " علي وبنوه " وجاء بعدهما جورج جرداق في موسوعته " علي صوت العدالة الانسانية " .
أتذكر حديث الشرقاوي، وأنا أستمع كل يوم لسياسيين يحولون معركة بناء الدولة المدنية إلى معركة بين المسلمين وكفار قريش، وتمنيتُ على هؤلاء الساسة "التُقاة" لو أنهم وقفوا وقفة حقيقية أمام سيرة الإمام عليّ "ع" وتعلموا منها، لكن للأسف فقد ابتلينا بمسؤولين يتحدثون باسم الدين ويسرقون باسم الدين. مَن منكم لم يشاهد صورًا لمسؤولين كبار يقيمون مواكب العزاء ويؤدّون فرائض صلاة الجماعة في بيوت وقصور وضعوا أيديهم عليها بقوّة المنصب والسلاح؟.
وأنا أعيد قراءة كتاب عبد الرحمن الشرقاوي "إمام المتقين"، قلت لنفسي: هل تساءل أحد من هؤلاء الساسة "المجاهدين" كيف مارس علي "ع" السلطة في أعوام خلافته الأربعة؟، لم يجد الإمام في الخلافة حقًا استثنائيًا في المال والأرض، فساوى نفسه مع الجميع، رفض أن يسكن قصر الإمارة، ونزل مستأجرًا في منزل يملكه أفقر فقراء الكوفة، سيقولون هذه مثالية مطلقة وسنقول لهم إنها عدل شامل، فالخليفة لم يرضَ أن يسكن القصور فيما رعيته يسكنون بيوتًا من الصفيح.
كان معارضوه يتجاوزون عليه إلى حدّ شتمه فلا يبطش بهم ولا يمنع عنهم المال، لأنه يرى أنّ الخلاف أمر شخصي بينه وبينهم، وما بيده من حكم ليس سلطة يقاضي بها مخالفيه في الرأي، ولكنه يقاضي بها أعداء الناس، فمهمّته إقامة الحق ودفع الباطل، ويقول لابن عباس: "هذه النعل أحب إلي من إمارتكم هذه، إلا أن أقيم حقًا أو أدفع باطلًا"، البعض من ساستنا ربما يرى في هذه الأفعال نوعًا من الخيال، لأنه يعيش مع علي في مواكب التعزية فقط، ومع معاوية باقي أيام السنة.