علي حسين
لو أن حفلة تعذيب شاب والسخرية منه وتصويره وأفراد الشرطة "الباسلة" يحلقون رأسه وحواجبه في أحد مراكز حماية القانون ، من دون عقاب صارم لمنفذيها، فقد لا نستبعد أن تتحول مراكز الشرطة إلى دوائر تنفيذ الأحكام بحجة أن شرطتنا المغوارة تخاف على سمعتها ، وتريد تنفيذ شريعة أولي الأمر.
الفيديو الذي نشرته وسائل التواصل الاجتماعي يقول: إن شابًا من أهالي بغداد، تم اعتقاله، جريمته الوحيدة أنه قال إن الشرطة أخذت منه رشوة، ولكي يعترف بأن الشرطة لا ترتشي وهي فوق الشبهات، مورست معه شتى صنوف الإذلال، ولم يكتف مغاوير الشرطة بذلك، فقرروا أن يصوروه بعد ان حلقوا شعر راسه وحواجبه ، وأن يبثوا الفيديو ، في رسالة تقول: إحذروا، الشرطة فوق القانون، والأهم، فوق الشعب..
ما بين صمت وزارة الداخلية، وبين بشاعة القصاص من شاب، يعيش الناس اليوم في ظل أفراد وأجهزة يعتقد كل منهم أن له الحق في تنفيذ قانونه الخاص، قد تكون هناك جرائم تستحق العقاب، لكن المؤكد أن العقوبة يجب أن تأتي بأمر من القضاء، لا بأمر من ضابط يعتقد أنه فوق القانون وفوق الشرائع. عندما يصر البعض على تنفيذ قانونه الخاص، فأغلب الظن أننا ننجرف إلى هاوية لا نهاية لها.
لعل الأخطر في واقعة تعذيب الشاب وإهانته بفيديو مصور، ليس أن أفرادا من الشرطة قرروا أن يكونوا هم الدولة وهم القانون، بل هو صمت الدولة على مثل هذه الأفعال الإجرامية .
اليوم الناس يعيشون في ظل أجهزة أمنية هي عبارة عن خلطة منتقاة من تصرفات استفزازية وشتائم جاهزة وجهل تام بقواعد السلوك الاجتماعي، تلك هي مؤهلات البعض من أفراد الشرطة بعد أن صرفت لهم الدولة مجموعة من العبارات المحفوظة في علب قديمة من عينة "وين رايح"، "الأخ من يا عمام"، فتشعر أنهم جميعا، يرددون هتافًا واحدًا، ويرتدون ثوبًا واحدًا، وفي يد كل منهم عصًا غليظةً يخرجها في اللحظة التي يشم فيها رائحة اختلاف مع ممارساته اللاشرعية.
مرة أخرى قد أتفق مع القائلين إن هذه وقائع فردية، لكنها في النهاية تبقى رسائل رعب تبثها أجهزتنا الأمنية التي نراها وديعة خانعة أمام سلاطين الفساد وأمراء المليشيات وسراق البلد، وصنديدة مغوارة مع المواطن المغلوب على أمره.
لقد عملت البشرية منذ عقود على اختراع اسمه القانون الذي هو عقد اجتماعي بين المواطن والدولة ، ينتقل من خلاله المجتمع من حالة الفوضى، إلى حالة النظام والتحضر والعدالة التي تطبق على الجميع، وهذه هي الضمانة الوحيدة لاستمرار الحياة، ومن دون ذلك سنتحول الى مجتمع يشعر بالسعادة والنشوة عندما يشاهد شيخ عشيرة يعاقب مواطن لانه انتقده في الفيسبوك .