TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > العمود الثامن: الشرطة في حلاقة الشعب

العمود الثامن: الشرطة في حلاقة الشعب

نشر في: 19 مايو, 2020: 09:54 م

 علي حسين

لو أن حفلة تعذيب شاب والسخرية منه وتصويره وأفراد الشرطة "الباسلة" يحلقون رأسه وحواجبه في أحد مراكز حماية القانون ، من دون عقاب صارم لمنفذيها، فقد لا نستبعد أن تتحول مراكز الشرطة إلى دوائر تنفيذ الأحكام بحجة أن شرطتنا المغوارة تخاف على سمعتها ، وتريد تنفيذ شريعة أولي الأمر.

الفيديو الذي نشرته وسائل التواصل الاجتماعي يقول: إن شابًا من أهالي بغداد، تم اعتقاله، جريمته الوحيدة أنه قال إن الشرطة أخذت منه رشوة، ولكي يعترف بأن الشرطة لا ترتشي وهي فوق الشبهات، مورست معه شتى صنوف الإذلال، ولم يكتف مغاوير الشرطة بذلك، فقرروا أن يصوروه بعد ان حلقوا شعر راسه وحواجبه ، وأن يبثوا الفيديو ، في رسالة تقول: إحذروا، الشرطة فوق القانون، والأهم، فوق الشعب..

ما بين صمت وزارة الداخلية، وبين بشاعة القصاص من شاب، يعيش الناس اليوم في ظل أفراد وأجهزة يعتقد كل منهم أن له الحق في تنفيذ قانونه الخاص، قد تكون هناك جرائم تستحق العقاب، لكن المؤكد أن العقوبة يجب أن تأتي بأمر من القضاء، لا بأمر من ضابط يعتقد أنه فوق القانون وفوق الشرائع. عندما يصر البعض على تنفيذ قانونه الخاص، فأغلب الظن أننا ننجرف إلى هاوية لا نهاية لها.

لعل الأخطر في واقعة تعذيب الشاب وإهانته بفيديو مصور، ليس أن أفرادا من الشرطة قرروا أن يكونوا هم الدولة وهم القانون، بل هو صمت الدولة على مثل هذه الأفعال الإجرامية .

اليوم الناس يعيشون في ظل أجهزة أمنية هي عبارة عن خلطة منتقاة من تصرفات استفزازية وشتائم جاهزة وجهل تام بقواعد السلوك الاجتماعي، تلك هي مؤهلات البعض من أفراد الشرطة بعد أن صرفت لهم الدولة مجموعة من العبارات المحفوظة في علب قديمة من عينة "وين رايح"، "الأخ من يا عمام"، فتشعر أنهم جميعا، يرددون هتافًا واحدًا، ويرتدون ثوبًا واحدًا، وفي يد كل منهم عصًا غليظةً يخرجها في اللحظة التي يشم فيها رائحة اختلاف مع ممارساته اللاشرعية.

مرة أخرى قد أتفق مع القائلين إن هذه وقائع فردية، لكنها في النهاية تبقى رسائل رعب تبثها أجهزتنا الأمنية التي نراها وديعة خانعة أمام سلاطين الفساد وأمراء المليشيات وسراق البلد، وصنديدة مغوارة مع المواطن المغلوب على أمره.

لقد عملت البشرية منذ عقود على اختراع اسمه القانون الذي هو عقد اجتماعي بين المواطن والدولة ، ينتقل من خلاله المجتمع من حالة الفوضى، إلى حالة النظام والتحضر والعدالة التي تطبق على الجميع، وهذه هي الضمانة الوحيدة لاستمرار الحياة، ومن دون ذلك سنتحول الى مجتمع يشعر بالسعادة والنشوة عندما يشاهد شيخ عشيرة يعاقب مواطن لانه انتقده في الفيسبوك .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: سياسيو الغرف المغلقة

العمود الثامن: ماذا يريدون؟

السردية النيوليبرالية للحكم في العراق

العمود الثامن: عاد نجم الجبوري .. استبعد نجم الجبوري !!

العراق إلى أين ؟؟

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

 علي حسين كان العراقي عصمت كتاني وهو يقف وسط قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة، يشعرك بأنك ترى شيئا من تاريخ وخصائص العراق.. كان رجل الآفاق في الدبلوماسية وفي السياسة، حارساً لمصالح البلاد، وحين...
علي حسين

قناطر: بغداد؛ اشراقةُ كلِّ دجلةٍ وشمس

طالب عبد العزيز ما الذي نريده في بغداد؟ وما الذي نكرهه فيها؟ نحن القادمين اليها من الجنوب، لا نشبه أهلها إنما نشبه العرب المغرمين بها، لأنَّ بغداد لا تُكره، إذْ كلُّ ما فيها جميل...
طالب عبد العزيز

صوت العراق الخافت… أزمة دبلوماسية أم أزمة دولة؟

حسن الجنابي حصل انحسار وضعف في مؤسسات الدولة العراقية منذ التسعينات. وانكمشت مكانة العراق الدولية وتراجعت قدراته الاقتصادية والسياسية والعسكرية، وانتهى الأمر بالاحتلال العسكري. اندفعت دول الإقليم لملء الفراغ في كواليس السياسة الدولية في...
حسن الجنابي

إدارة الاقتصاد العراقي: الحاجة الملحة لحكومة اقتصادية متخصصة

د. سهام يوسف بعد مصادقة المحكمة الأتحادية على نتائج الانتخابات الأخيرة، يقف العراق على أعتاب تشكيل حكومة جديدة. هذه الحكومة ستكون اختبارًا حقيقيًا لإصلاح الاقتصاد العراقي المتعثر، حيث تتوقف عليه قدرة البلاد على مواجهة...
سهام يوسف علي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram