علي حسين
في كل يوم تكشف لنا المعالجات الدرامية التي وضعها مجلس النواب المختفي عن الانظار أن نظام الخراب حاضر بقوة وبكامل معداته، وأن الجهل والانتهازية تم استدعاؤها للخدمة الإلزامية.
في كل يوم يصحو العراقيون على سيناريو جديد لكنه سيئ الحبكة، فبعد أن انتظرنا تفسيرًا لغياب مجلس النواب في ظل ازمة كورونا ، وبعد أن عجز الناس عن حل لغز الافلاس ، وضربنا أخماسًا بأسداس لنعرف سر الصواريخ التي تضرب بدون خوف ، وبعد أن وعدنا الحلبوسي بأن العراق في طريق التطور ، بعد كل ذلك، اكتشفنا بالصدفة أن ضياع ثروات البلد وسرقة ملياراته يقف وراءهما الاشباح .
في كل دول العالم تكون وظيفة السياسي الحقيقي هي إدارة شؤون البلاد على نحو يجعل الناس أكثر أمنًا وسعادة وإيمانًا بالمستقبل، إلا في العراق حيث يشيع ساستنا الرعب ويكرسون لثقافة الكراهية والعنف، مستخدمين فزاعة التظاهرات والأجندات الخارجية، خطاب لا يختلف عن الخطاب المقيت الذي كان صدام يصدع به رؤوسنا كل يوم، يتحدثون عن الفوضى فيما هم أول من ينشر الخراب في كل مكان، يتحدثون عن القانون والعدالة وهم يحرقون البلاد صباح كل يوم، مولعون بالاتجار بقضايا الناس، وقد استثمروا في السنوات الأخيرة فوضى غياب القانون فازدهرت تجارتهم وسط حشد مهول من الكلمات الزائفة .
اليوم، العراقيون يريدون دولة الحرية والإخاء والمساواة، وليست الدولة المريضة والفاسدة التي تحكمها ثقافة الجهل والفقر والمرض، ولا مكان فيها لأي شيء حقيقي، بل المكان والمكانة لكل شيء مزيف وكاذب ومنافق وغشاش وفاسد وقاتل وانتهازي وسارق ومزور.
اليوم ندرك جميعًا أن الاستقرار لن يتحقق إلا إذا تخلص الناس من سياسيي الصدفة ، الذين أثبتت التجربة في السنوات الماضية أنهم جاءوا لخدمة مصالحهم والكتل التي ينتمون إليها، فازدادوا ثراء فوق ثرائهم، وتخمة فوق تخمتهم، وسمّموا الأجواء بخطب ومناكفات شخصية ومشاحنات يضعون قدمًا في السلطة والأخرى في إحدى دول الجوار، فهم يختلفون في درجة قربهم من المنافع وليس في درجة قربهم من الناس.. وإنهم في نهاية المطاف يلتقون مع أقرانهم من المسؤولين في نقطة واحدة وهي "البقاء في المنصب والحفاظ على المكاسب" سيملؤون السموات والأرض بتصريحات عن الوطنية ومصلحة البلاد وعن اليتامى والأرامل، ناسين ومتناسين أن الذين تسفك دماؤهم كل يوم وتهدم بيوتهم وتغتصب نساؤهم هم الذين أجلسوهم على كراسي الحكم، وهم أيضا أصحاب الفضل الأول في العملية السياسية التي يتاجرون بها.
ما ليس مقبولًا أن يصبح مستقبل الناس وأمنهم سلعةً رخيصةً في سوق المزايدات السياسية، وليس مقبولًا أن يحاول البعض التغطية على الفشل ، ليوجّه الأنظار نحو ملفات أخرى لا ناقة للناس فيها ولا جمل.