TOP

جريدة المدى > عام > فـي الذكرى الثلاثين لوفاة صامويل بيكيت..كيف كان على حافة الموت بسبب طعنة سكين!

فـي الذكرى الثلاثين لوفاة صامويل بيكيت..كيف كان على حافة الموت بسبب طعنة سكين!

نشر في: 28 مايو, 2020: 08:23 م

لم يكن يعلم أن عام 1938 سيكون عامًا يحمل حدثًا واحدًا مهمًا في حياته، وسيضم جميع عناصر العبث والكوميديا السوداء والقدرية التي تميزت بها أرقى أعماله،

مثل "في انتظار غودو" أو "شريط كراب الأخير"، حدث ذلك في أحد شوارع باريس، عندما خرج من إحدى صالات العرض السينمائية صحبة صديقيه آلان وبيليندا دنكان متوجهين صوب منازلهم، عندما اعترضهم رجل مخمور طالبًا منهم تمضية الوقت مع إحدى بائعات الهوى، ولما وجد منهم رفضًا أشهر بوجوههم سكينة كان يخبئها تحت سترته فاعترضه بيكيت ليتلقى طعنة في صدره بالقرب من قلبه، لكنه نجا بفضل معطفه السميك ولم يُصَب إلا بجروح طفيفة، الخبر سرعان ما انتشر حيث ذكرت صحيفة لي فيغارو وقائع الهجوم الذي تعرض له بيكيت في باريس، والذي ظل يعاني منه حتى وفاته في 22 ديسمبر / كانون الأول 1989 عن عمر يناهز 83 عامًا.

بيكيت في ذلك الوقت يبلغ من العمر 31 عامًا كان قد انتقل إلى باريس لبناء واقع أدبي مميز له مما اكسبه إعجابًا حين أصدر مجموعته الأولى من القصص القصيرة، فحاز على العديد من الجوائز، فأرسلت وكالة رويترز الاخبارية آنذاك خبر نجاح بيكيت وقصة ذلك الاعتداء ببرقية لجميع الصحف ذكرت فيها:

"كان السيد بيكيت صحبة بعض الأصدقاء متوجهين إلى منازلهم عندما تعرض لضرب أحد سماسرة الجنس فتم نقله إلى إحدى المستشفيات القريبة، حيث احتشد أصدقاؤه لرؤيته وقام جيمس جويس بدفع ثمن إقامة بيكيت فيها، فعلمت ماريا والدة بيكيت بالهجوم من أحد الأقارب الذي حدثها برؤيته لوحة إعلانات في دبلن تقول: الشاعر الأيرلندي بيكيت طُعن في باريس، فعلقت قائلة: "هذه ضريبة عشقه لهذه المدينة التي أحب العيش فيها".

وعلى الرغم من آمال والدته في العودة إلى المنزل ، فقد كان بيكيت صامدًا بشأن البقاء في باريس وتم خروجه من المستشفى في 23 يناير/ كانون الثاني 1938، وحضر بعد ذلك محاكمة المتهم بالاعتداء عليه والذي واجهه في داخل المحكمة قائلًا إنه يأسف لما حدث له، فكتب بيكيت وقتها إلى صديقه توماس ماكجريفي ليقول إنه وجد مهاجمه "أكثر حزنًا".

قد يكون بيكيت مستمتعًا برد مهاجمه فاختار عدم توجيه الاتهامات إليه، لكن القضاء الفرنسي حكم عليه بعدة أشهر لحيازته سلاحًا جارحًا، بعد هذه الحادثة علق بيكيت مازحًا:

" لم يعد هناك سجين أكثر شعبية في سانتي منه"، وعلى الرغم من ممازحته لهذه الحادثة، إلا أنها تركت ندوبًا نفسية وعاطفية، وصبغت خياله بالتأكيد في الذاكرة والسرد، يجادل جيمس أولني، أستاذ اللغة الإنكليزية بجامعة ولاية لويزيانا، بأن الطعن كان "نقطة تحول مهمة" في كتابة بيكيت، في أعمال مثل "انتظار غودو" و"نهاية اللعبة"، يقول أولني: "كان الموت الذي دنا منه بيكيت هو الذي جعل من تلك التجربة ذات تأثير قوي عليه"، والوقت الذي قضاه في المستشفى كان نقطة تحول في حياته الشخصية، ففي الأسبوعين بعد الهجوم وأثناء وجوده في المستشفى، زارته سوزان ديشيفو دومنيل الممرضة والموسيقية السابقة البالغة من العمر 38 عامًا والتي التقى بها لأول مرة في المدرسة العليا قبل سنوات، لقد أصبحوا أصدقاء مقربين ويشاركون ألعاب التنس وأكثر من ذلك بكثير، فعندما قرأت عن طعنه هرعت إلى المستشفى وعرضت عليه مساعدته في التعافي في منزلها والذي أصبح شريكًا لها فيما بعد على مدار الخمسين عامًا القادمة. وخلال تلك السنوات كان بيكيت يعاني هاجس صحته المعلولة بعد تلك الحادثة المشؤومة، حيث خضع لدورة علاج نفسي بعيادة في لندن، وقد اشتكى من "أعراض القلق الحادة" والتعرق الليلي، الارتجاج، الشعور بالهلع، وضيق التنفس، وعندما كان في أسوأ حالاته تلك، قال إنه يعاني من "شلل تام"، جاء ذلك في رسائل كتبها في تلك الفترة وصف فيها نفسه بأنه مجموعة من الأمراض، من "الخراجات الدهنية" وإلى "خفقان القلب". بقي بيكيت يعاني من تلك الأمراض، لكنه لا يظهرها حتى كهولته، فالطالب الشاب الذي كان جيدًا في التنس والكريكيت، كان أيضًا شيطانًا في لعبة البلياردو، وعندما نظر إلى شعره الذي اصطبغ بالبياض تفاقمت عليه الأمراض مرة واحدة، فقد أخذ يعاني من انتفاخ الرئة بسبب سنوات من النفخ في السجائر الرخيصة في مقاهي باريس، كذلك عانى أيضًا من الصدفية والأكزيما، ومثل شخصيات مسرحياته، كان يعاني من "اضطرابات في القدمين" و"مشكلة في المفاصل". كتب الدكتور جون والاس عن صحة بيكيت الفاشلة في عام 2010 مقالة للصحيفة الأيرلندية الطبية تايمز حيث روى والاس سبب قيام الطبيب الفرنسي المعالج له بإدخاله في دار رعاية تديرها الدولة تدعى Le Tiers Temps، في الدائرة الرابعة عشرة في باريس : " كانت صحته في تدهور خطير بحلول عام 1986" ، "لقد عانى بيكيت من ضيق التنفس لبعض الوقت وبدأ في استخدام الأوكسجين بشكل متكرر أكثر خلال هذا الوقت ، كما عانى من عدد من السقوط على الأرض وبدأ أصدقاؤه في الشك في أنه لم يكن يأكل بشكل صحيح عندما كان في المنزل"، وعلى الرغم من أن بعض الزوار اشتكوا من أن الإقامة المتواضعة في دار لرعاية المسنين كانت "غير مناسبة"، إلا أن غرفة بيكيت الصغيرة في الطابق الأرضي المؤثثة بالكاد، مع إطلالة على الفناء، كانت تتمتع بجو رهباني بسيط يستهوي الكاتب، والشيء الوحيد الذي اشتكى منه هو ورق الجدران، لقد أحب روتين المنزل وقال مازحًا إن زملائه الضيوف كانوا "أشخاصًا كلاسيكيين يذهبون طويلًا لمشاهدة التلفزيون"، بينما هو بقي قارئًا متعطشًا فكانت لديه سيرة حياة أوسكار وايلد وجويس على رفوفه، إلى جانب نسخة من كوميديا دانتي، وعلى الرغم من الصعوبات التي يواجهها في التنفس، استمر في تدخينه السيجار أثناء الاستماع لشوبرت على جهاز استريو صغير.

في 17 يوليو / تموز 1989، وعند مشاركة بيكيت جنازة أحد أصدقائه شعر بروحه تكاد تخرج من جسده، فعاد على الفور إلى دار التمريض، وفي 6 ديسمبر / كانون الأول اكتشفت ممرضته فقدانه لوعيه فتم نقله إلى المستشفى، وهناك وبعد تحسن وضعه الصحي ألف بيكيت قصيدته الأخيرة "ما هي الكلمة"، لكنه بعد أسبوعين غرق في غيبوبة وتوفي صباح يوم 22 ديسمبر / كانون الأول 1989 بسبب فشل في الجهاز التنفسي وتم دفنه في مقبرة مونبارناس في باريس ولم يحضر الجنازة رجل دين ولا خدمة دينية ولا خطب.

عن / صحيفة الإندبندنت البريطانية

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

مقالات ذات صلة

الاعتياد على مسالك الحياة السهلة:  صفقة مع الخطر
عام

الاعتياد على مسالك الحياة السهلة: صفقة مع الخطر

ألِكْس كورمي* ترجمة: لطفية الدليمي بينما أكتب الآن هذه الكلمات يرسلُ هاتفي النقّالُ بطريقة لاسلكية بعضاً من أعظم ألحان القرن الثامن عشر (مؤلفها الموسيقار العظيم باخ لو كنت تريد معرفة ذلك!!) إلى مكبّر الصوت...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram