طالب عبد العزيز
لم يطرأ على مناهج التعليم في العراق أيُّ تغييرعملي، يتعاطى مع حاجة المجتمع له، في فترة الـ 40 سنة الماضية، إنما تراجعت بشكل مدمر في السنوات الاخيرة، حتى باتت أكثر المناهج لا تلبي حاجة طلبتنا الى التعليم الحقيقي، المبنيّ على أسس علمية، وبما يسهم في بناء البلاد إنساناً وأرضاً، إنما تسير على وفق ما ينسجم أحياناً مع تطلعات الأحزاب الحاكمة ذات التوجه الطائفي الواضح.
نحن نخلق أجيالاً تقرأ وتكتب لكنها غير متعلمة. هكذا يعلق بعض الأساتذة، وهو رأي صحيح، ذلك لأننا أصبحنا نفتقد لأسس العلاقة الجوهرية القائمة بين المناهج والحاجة المجتمعية له، ففي بلاد تنخرها أمراض التعصب والتشدّد الدينيين، وتضخُّ الماكنة الإعلامية، الممولة من أحزاب السلطة مئات الساعات المسموعة والمرئية من الإعلام الطائفي المنحاز الى هذه وتلك، تذهب المناهج التعليمية الى التناغم مع ذلك، فيما نحن في واقع أحوج ما نكون فيه الى النأي بأبنائنا عن المزالق القاتلة هذه. ولعلنا نذكّر بما اقترحه وزير المعارف في لبنان من أهمية حذف مناهج الدين في التعليم الابتدائي والثانوي، وترك ما يروم تعلمه الطالب في ذلك الى ما يقدمه الخطباء والأئمة والقساوسة في المساجد والكنائس.
ولا نعرف فائدة ترتجى في ما يتلقاه الطالب من علوم، في مناهج الجغرافيا والتاريخ والوطنية وغيرها في بلاد تتقلص جغرافيتها، ويرتد عليها تاريخها، وتختل وطنيتها في قلوب أبنائها، كالذي يحدث في العراق وسوريا وليبيا والسودان واليمن والسعودية وغيرها، ولا نرى نفعاً في مادة العلوم والكيمياء والفيزياء والرياضيات، التي يتلقاها طالب المتوسطة والثانوية إذا كانت وما زالت عائقاً في اتمام تحصيله الأدبي والعلوم الانسانية، مثلما لا نرى جدوى في دراسة التاريخ والاسلامية والوطنية إذا كانت عائقاً أمام تحصيل طالب الطب والفيزياء والكيمياء، هذه العقبات التي ظلت قائمة في مدارسنا منذ عقود، دونما البحث في سبل إعادة النظر فيها من أجل تخطيها، والسير حثيثاً بطلبتنا الى ما ينسجم ويتواءم مع معطيات الحياة عبر الزمن المتجدد.
يتحدث العلماء والباحثون في المستقبل عن مهن حيوية، مثل الطب والمحاماة والهندسة والصيدلة وغيرها بقولهم إنها ستصبح خارج الزمن، ولن يذهب الطالب لدراستها في الجامعة إنما ستكون كل مادة منها متاحة على شاشة الهاتف، في اختصار شديد لما يجب أن تكون العلوم عليه. فيما، ما زلنا نذكّر ابناءنا بأن الجنة جميلة، وفيها حدائق واسعة، لكن، لا يدخلها غير المسلم، وأن النساء الحوراوات، ناعسات الطرف يقفن، بانتظارنا على أبوابها، وإن الكافرين والمجرمين سيتعذبون وسيدخلون النار. أعتقد أن هذا ليس من التعليم بشيء، ونحن هنا لا ننتقص مما ورد في الكتب الدينية من علم ووقائع، بقدر ما نرى أن الطالب والإنسان، المتطلع للتساوق مع بني جنسه في العالم، لن ينتفع في حياته العملية من علومٍ كهذه، بل هي بعض مما يتطلبه الباحث في شأن الأديان، من الذين ذهبوا ليصبحوا خطباء وأئمة في المساجد والحسينيات. نحن بأمس الحاجة لتجديد فهمنا للعلم والعلماء عبر المناهج والدروس التي نتلقاها.