علاء المفرجي
انشغل الوسط الثقافي مع إعلان الحقيبة الوزارية بالبحث عن سيرة المرشح، وراحوا يختارون مثقفاً رمزاً كمرشح لمنصب وزير الثقافة بل إن البعض الآخر - طبعاً من مثقفينا- رشح نفسه لهذا المنصب، متناسياً إنه ضد هذه الآلية لإنتخاب مسؤول في الحكومة الجديدة يتعهد بمسؤولية الثقافة.
لا أريد أن أتحدث عن الهراء الذي تحدث به سياسيونا عن نبذ المحاصصة، واختيار الكفاءة، (كذا).. لكنها اصبحت من المسلمات في عراق يتهاوى كل ما فيه، والوزير المرشح الذي ينتمي لفصيل (سياسي) معين، هو بكل الأحوال ليس أسوأ من نظيره في حزب أو تيار، طالما أن جميع من تناوب على زمام الحكم في العراق رفعوا أقنعة الزهد والوطنية عن وجوههم.
ومسألة أخرى تتعلق بالمنظمات الثقافية التي رفعت شعار إبعاد وزارة الثقافة عن المحاصصة وحشدت لذلك أعضاءها حد النزول الى الشارع، سرعان ماتخلّت عن هذا الشعار مقابل (لقاءات) بروتوكولية معهم، التي كفى الله بها المثقفين شر رفع الشعارات أو الاحتجاج..
فليس ضرورة أن يكون للثقافة وزير من شعابها، موسيقي، أو شاعر، أو مسرحي، أو سينمائي، لكي يتحسس هموم الثقافة وما تتطلبه من حلول لأهم مشاكلها، باعتبار أنه قريب من نبضها.. لكن المطلب الأساس هو وزير لديه برنامج متكامل يخص كل مفاصل الثقافة في بلد يعيش منذ خمسة عشر عاماً اللا استقرار والفوضى، ويتحكم الفساد بكل مفاصله.. برنامج ينهض بالثقافة العراقية ويلملم جراحها، برنامج يعيد الهيبة للمؤسسات الثقافية، برنامج يضع خطة متكاملة تُعين بقوة الدولة لاسترداد آثارنا المسروقة، برنامج يعيد لنا مسرح الرشيد ومسرح بغداد، وإعادة تأهيل صالات العرض السينمائي، برنامج يضع خطة متكاملة لعودة مثقفينا الموزعين في بقاع الأرض للمشاركة في بناء الوعي الثقافي للبلد.
وأقول - على مسؤوليتي - إن كل الوزراء الذين تناوبوا على وزارة الثقافة بلا استثناء بعد عام 2003 لم يكن لديهم برنامج واضح.
وإذا كان اختيار تونس مثلاً لوزير ثفافة في حكومة محمد الغنوشي بعد الإطاحة ببن علي المخرجة السينمائية التونسية مفيدة التلاتلي، هو لإعادة الاعتبار للثقافة التونسية التي هُمشت في زمن دكتاتورية بن علي. واختيار إيناس عبد الدايم لوزارة الثقافة المصرية وهي خريجة الكونسفتوار في القاهرة والمتخصصة بآلة الفلوت، هو بسبب برنامجها الواضح لهذه الوزارة وليس لكونها تنتمي بحكم الاختصاص للمثقفين.
وهذا لايعني إعطاء الأولوية لرموزنا الثقافية فلا نأتي بجديد إن تحدثنا عما تعنيه الرموز الثقافية الفكرية في المجتمعات المتحضرة فهي بالنسبة لهذه المجتمعات، قيمة عليا، بل وثروة وطنية لا يمكن التفريط بها تحت أي ظرف، حتى وإن تعارضت أفكارها مع قيم هذا المجتمع، وأفكاره،
حيث يكفي أنها جزلت بعطائها المعرفي درجة استحقت بها الخلود والشهرة.. فمارلو لم يكن ديغولياً ليمنحه ديغول اليميني امتياز حقيبة الثقافة مرتين في بلد مثل فرنسا، ويفخرهذا الأخير وهو أول رئيس للجمهورية الخامسة أن يتوسط في أن يعمل نجله سكرتيراً للروائي فرانسوا مورياك.وأمير بافاريا لم يكن أحمقاً ليترجل عن عربته، فقط ليخلع قبعته وينحني تحيةً لمرور بيتهوفن.ما الذي فعلناه نحن لرموزنا، غير جلسات التكريم والاحتفاء والاستذكار وربما التأبين - لا فرق - والتي لا تسمن ولا تغني من جوع؟ فإذا كان الكثير منهم قد قضى في مدافن الغربة وقسوة المنفى أعوام تسلّط الدكتاتورية فإن من يعيش بين ظهرانينا بعد زوالها، مازال يعاني قسوة النسيان وشظف العيش والإهمال المتعمد.