ثائر صالح

كثيراً ما نجد أمثلة على تطور العلاقة بين أفضل تلاميذ الأستاذ الى علاقة عائلية، قد تتطور الى زواج التلميذ بابنة الأستاذ.

وغالباً ما يتطور الأمر الى توريث "منصب" الأستاذ الى زوج ابنته. يشوب العملية كلها نوع من تبادل المصلحة، أو لنسميه اغتنام الفرص المتبادل، فالأب – الأستاذ يضمن مستقبل ابنته مع شخص يعرف قدراته، والتلميذ يضمن مستقبله الذي يؤمنه له قربه من الأستاذ. من الأمثلة التي سقتها سابقاً عرض الموسيقار الدنماركي – الألماني العظيم ديتريش بوكستهوده (1637/1639 - 1707) يد ابنته مقابل منصبه لكل من باخ وهندل وصديقه الموسيقي والدبلوماسي والمنظر يوهان ماتسون (1681 – 1764) وذلك في العام 1703. كانت العلاقة بين روبرت شومان وابنة استاذه فيك الذي عارض زواجهما من الأمثلة المضادة التي ذكرتها في كتابات سابقة. 

كان زواج عازف الكمان والمؤلف التشيكي يوزف سوك (1874 – 1935) من ابنة استاذه الموسيقار الشهير انتونين دفورجاك (1841 – 1904) أحد تلك الأمثلة المعروفة، ويمكن اعتبارها المثال النموذجي في هذا الصدد. وقد تأثر سوك بدفورجاك كثيراً، ومن الطبيعي أن يتأثر التلميذ بأستاذه. ونسمع أصداء أسلوب التوزيع الأوركسترالي لدفورجاك في أعماله المبكرة، قبل أن يبدأ أسلوبه الخاص بالبروز والتميز. على العموم يرى مؤرخو الفن أن موسيقاه "موروثة" من أساتذته، على الخصوص دفورجاك، قد يكون هذا سبب تحوله الى مثال على زواج الطالب المجد بابنة البروفيسور، فموقعه العلمي والاجتماعي لا يعكسان قدراته الشخصية بمفردها بل تعينه فيها سمعة الأستاذ وموقعه الاجتماعي كعامل إضافي. كان عضواً في الرباعي الوتري التشيكي لغاية اعتزاله في 1933. جاب هذا الرباعي الوتري أوروبا وحصل على شهرة كبيرة، وحصل سوك على سمعته الأوروبية جراء نشاطه هذا قبل أن ينتبه الى بعض أعماله الموسيقيون الكبار مثل مالر. 

توفي أستاذه في 1904 فبدأ بتأليف سيمفونيته الثانية في دو الصغير كرثاء له لذلك أسماها "عزرائيل" ملاك الموت، الذي لم يكتف بأخذ روح استاذه. فقد توفيت زوجته اوتيليه ابنة دفورجاك صيف العام التالي 1905 وكان قد انتهى من الحركات الثلاث الأولى. أنتهى من السيمفونية خريف 1906 بخمس حركات، مثلت الحركات الثلاث الأولى دفورجاك والحركتان البطيئتان الرابعة والخامسة زوجته. وقدم العرض الأول في المسرح الوطني يوم 3 شباط 1907.

ليوزف سوك حفيد حمل نفس الاسم، يوزف سوك (1929 – 2011) وكان عازف كمان ماهر وقائد أوركسترا معروف، ويعد بين أبرز الموسيقيين التشيك عالمياً بسبب كثرة التسجيلات التي سجلها مع شركة سوبرافون التشيكية العريقة التي تأسست في عشرينات القرن العشرين.