اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قناطر: في فهم الحلال والحرام عراقياً

قناطر: في فهم الحلال والحرام عراقياً

نشر في: 6 يونيو, 2020: 05:49 م

 طالب عبد العزيز

في واحد من أحاديثه يقول المعماري الشهير رفعت الجادرجي: إنَّ السحر سبق الدين، في تفسير الظواهر وتنظيم الحياة. وهنا، أنسب له معرفتي بهذه.

وفي حقيقة الأمر، فإن الأديان كلها إنما جاءت للتعبير عن حاجة الإنسان في فهم ما يدور حوله، وإعانته على الارتقاء بكينونته الى ما هو مفيد وحيوي، وفي تصفحنا للموروث الديني(السماوي والوضعي منه) نجده محرضاً على فعل الخير قبل أيّ شيء، قبل تسيسه لصالح أشخاص ما، أو جماعة معينة، قبل الاحتراب فيه وعليه، لكنَّ الحياة بطبيعتها المتحركة أفقدت الأديان قدرتها على المكوث طويلا في السؤال، وإعطاء المعاني الجامعة للاسئلة الكبرى، التي راح الإنسان يسألها في فهم ومواكبة التطور، ولعل الجمود الذي تمسك به الكهنة وملوك المعابد ومفسرو الأديان، وإصرارهم على المكوث في النصوص، كما هي، واقفة في الزمن، لا تتغير، غير متفاعلة معه، هو ما حرضه على البحث عن سبل جديدة في فهم ما يدور حوله.

ومن أجل توضيح ما يُشكل نقول: أصبح بحكم العادة أنَّ مفهوم الحلال والحرام (الدينيين) معيارٌ وحكمٌ في صلاح وفساد الانسان. غير مدركين ما يتوجب مراعاة فهم وإدراك ماذا حلَّ من انقلاب بهاتين المفردتين في أذهان الناس، فالحلال الشعبي لديهم هو أنَّ (الانسان الصالح) والمثالي هو من يصلي ويصوم ويحج البيت ويدفع الزكاة ووو.. والحرام الشعبي عندهم انَّ الانسان (الرجل الطالح) هو من لا يقوم بهذه الأفعال. دونما ملاحظة منهم في السلوك والعقل والنجاح والإنسانية وفهم الحياة كما يجب. تخطب المرأة لأبنها زوجة، فتسألُ عنه: لتجيب بأنه صائمٌ مصل. وبهذه الإجابة المبهمة تكتفي أسرة الزوجة وقد تقبل لأبنتها بهذا(الصائم المصلي) زوجاً، جديراً بابنتهم، أما التفاصيل الأخرى فلا أحدَ يعيرها انتباهةً.

ذهب الناخب العراقي لصندوق الاقتراع وانتخب الصائم المصلي، كثير التردّد على مكة وكربلاء والنجف، ذا التاريخ النضالي العريق في التصدي للنظام السابق، فماذا كانت النتيجة؟ فساد ولصوصية وخراب بلاد. وزوّجَ الرجل ابنته الرجل الورع، صاحب الكرامات، الذي لا يأتيه الباطل من أمامه ولا من خلفه، فماذا كانت النتائج؟ تزوج عليها ثانية وثالثة ورابعة وطعنها في كرامتها، ولم يعطها حقها في الحياة، أغلق عليها أبواب حريتها. أكتب هذه وأمامي صور زوجات أحد كبار المسؤولين الأربع لأقرأ حجم الظلم في عيونهن.

كلما تعاطت الحياة مع الطبيعة بجمالها ومع الفن والشعر والموسيقى ومآلات الوجود الكبرى وجدتها أجمل وأجدر بأن تعاش. ترى، هل هناك منْ يتعاطي مع مفردات مثل هذه؟ وهل يجد الإنسان حياته إلا في هذه؟ الحلال أن تكون إنساناً كامل الإنسانية، والحرام أن تكون حيواناً كامل الوحشية، وما بينهما لا وجود ولا كينونة لك. الحلال انْ تتمسك بخيط الأمل الذي مبعثه الطفل الذي ولد تواً، والحرام أن تظل ممسكاً بلحية الكاهن، الميت، والواقف في الزمن، الحلال أن تخشى على النحلة وأنت تهشها عن صنبور الماء، الذي تغرف منه حاجتك، مخافة تكسر أجنحتها، والحرام أن لا تبالي بها، والحلال أن تذهب بكليتك الى مواساة الأمّ التي هجرها زوجها، فيما الحرام كل الحرام أن تراودها عن نفسك.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. عبد الستار سعيد

    ((فيما الحرام كل الحرام أن تراودها عن نفسك)).......تراودها عن نفسها ...وليس عن نفسك!!!

يحدث الآن

للحفاظ على «الهدنة».. تسريبات بإعلان وشيك عن موعد انسحاب القوات الأمريكية

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

قناديل: أما كفاكُمْ تقطيعاً بأوصال الوردي؟

التجنيس الأدبي والاكتفاء الذاتي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

من دفتر الذكريات

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

 علي حسين في ملحمته الإلياذة يروي لنا الشاعر الاغريقي هوميروس كيف أن أسوار مدينة طروادة كانت عصيّة على الجيوش الغازية . فما كان من هؤلاء إلا أن لجأوا إلى الحيلة فقرروا أن يبنوا...
علي حسين

قناديل: أما كفاكُمْ تقطيعاً بأوصال الوردي؟

 لطفية الدليمي غريبٌ هذا الهجومُ الذي يطالُ الراحل (علي الوردي) بعد قرابة الثلاثة عقود على رحيله.يبدو أنّ بعضنا لا يريد للراحلين أن ينعموا بهدوء الرقود الابدي بعد أن عكّر حياتهم وجعلها جحيماً وهُمْ...
لطفية الدليمي

قناطر: من وصايا أبي المحن البصري

طالب عبد العزيز هذا ما كتبه ابو المحن المحسود البصريّ لاِبنهِ ذي الهمّة، الذي واصل الليل بالنهار، متصفحاً خرائط المدن والاسفار، عاقداً وشيعة الامل بالانتظار، شاخصاً بعينه الكليلة النظيفة، متطلعاً الى من يأخذ بيده...
طالب عبد العزيز

ريادة الأعمال.. نحو حاضنة شفافة

ثامر الهيمص مخرجات الشفافية, تمتاز عن غيرها, بأن ردود الفعل تأتي انية في النظر او العمل, مما يجعلها تمضي بوضوحها مستفيدة من هنات وليس عثرات تراكمت اسبابها مسبقا في عالم الا شفافية, اللهم الا...
ثامر الهيمص
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram