ثائر صالح
رحل عبد الأمير الصراف (1935 – 25/5/2020) بهدوء، مثلما عاش بهدوء وتواضع. لم يشر الى رحيله سوى نعي يتيم من نقابة الفنانين العراقيين،
وبعض التنويهات في الوسائط الاجتماعية مثل تنويه الباحث علي عبد الأمير عجام. تركة الصراف غنية ومتنوعة، لم يهتم لها أحد كثيراً رغم أصالتها وأهميتها الفائقة في تشكيل ذاكرة بلد أصيب بفقدان الذاكرة.
إذ لو اقتصرنا على ذكر دوره الطليعي في تأليف الموسيقى التصويرية للأفلام الوثائقية والروائية والمسرحية فلن نجد أحدا يبزه في منتجه طوال أكثر من 45 عاماً، بدءاً بموسيقى "الأهوار" (1975) و"بيوت من ذلك الزقاق" (1977) لقاسم حول حتى أفلام الثمانينيات والتسعينيات. لكنه كان كذلك أول (وربما الوحيد) من ألف موسيقى الباليه في المنطقة، فالأجنحة السحرية التي قدمها كأطروحة تخرج في الأكاديمية الوطنية البلغارية للموسيقى سنة 1971 وقدمت كذلك في قاعة الشعب ببغداد في 1974 بمشاركة طلاب مدرسة الموسيقى والباليه لا تزال دون منافس.
درس الكمان عند أكرم رؤوف ولويس زنبقة (1928 – 1979 مؤلف السلام الجمهوري العراقي الوحيد)، ثم في معهد الفنون الجميلة عند آرام تاجريان قبل أن يكمل دراسته الموسيقية في بلغاريا في التأليف الموسيقي وقيادة الأوركسترا بالإضافة الى دراسة البيانو. كان أستاذه في التأليف مارين كولأمينوف (1908 – 2000)، أحد أهم المؤلفين الموسيقيين البلغار في القرن العشرين، وهو الذي شجعه على تأليف الأجنحة ودعمه لتقديمها في أوبرا صوفيا. أما استاذه في الإثنوموسيقولوجي (علم الموسيقى الشعبية) الذي درسه لسنة بعد تخرجه فكان أهم باحث بلغاري في موضوع الموسيقى الشعبية، هو البروفيسور ستويان جوجيف (1902 - 1997) وقد ربطها بالمقامات الشرقية. قدم الصراف بحث التخرج في موضوع المقامات العربية (وربما كان البحث أساس كتابه "المقامات الموسيقية العربية وسلالم المقامات العراقية").
تعين بعد عودته من الدراسة في بلغاريا في دائرة الفنون الشعبية سنة 1972، فقام بمسح فولكلوري ميداني بين 1974 – 1984.
عين كذلك مستشاراً فنياً في دائرة السينما والمسرح سنة 1973، فألف الموسيقى التصويرية للكثير من الأفلام الروائية والوثائقية وموسيقى لخمس رقصات للفرقة القومية للفنون الشعبية، ولأربع من مسرحيات الفرقة القومية للتمثيل. ثم أتم كورس التأليف عند الموسيقي الكبير آرام خاتشاتوريان (1903 – 1978) في موسكو سنة 1977. تعرفت عليه في تلك الفترة بمساعدة الصحفي الراحل حسين الحسيني وكنت أستفسر منه عن الكثير من المعلومات الموسيقية فيجيبني عليها بتفصيل وبكل صبر وتواضع. ولا أنسى جلوسي مع الصراف والأب فيليب هيلايي في قاعة الخلد سنة 1978 أثناء حضورنا تدريبات الفرقة السيمفونية الوطنية العراقية الموسعة بعازفين من المجر وبولونيا قبل تقديم سيمفونية "القادسية" من تأليف الموسيقي اللبناني وليد غلمية (1938 – 2011). لم يكن رد فعلهما متحمساً. وكان ما كتبته عن "تلك" القادسية وقتها في صحيفة طريق الشعب عرضاً أكثر مما هو تقييم، تجنباً للمشاكل. للتنويه، كان غلمية يذكر اسم الصراف في المقدمة عند الحديث عن الموسيقيين العراقيين، والموسيقيون يعرفون قدرات بعضهم البعض.
استمر الصراف بالتأليف الموسيقي ونشر الأبحاث حتى بعد 2003، فصدر كتابه الهام "تبسيط علم الهارموني" عن دائرة الفنون الموسيقية في وزارة الثقافة العام 2006، بينما عزفت الفرقة السيمفونية الوطنية العراقية مؤلفه "السيمفونية العراقية" سنة 2011.
وكانت للصراف اهتمامات أدبية، فكتب السيناريو لبعض الأفلام، وله ثلاث مسرحيات من وحي ملحمة كلكامش.
جميع التعليقات 1
سراب الصراف
رحم الله الفقيد ...بالنظر الى انتاجاته المتميزة كان من المفروض أن يتحدث عنه الإعلام ويكرمه في حياته ولكن وكما ذكره الكاتب في اطلالة هذا المقال عاش في صمت ورحل في صمت ..وهذا هو واقع بلداننا وللأسف...لعل ذللك يحرك ساكنا لدى صناع القرار.