تواصل المدى نشر الأعمدة الثقافية، والتي سبق وأن أرسلها الفنان الرائد الراحل سامي عبد الحميد إلى المدى، بغية النشر. والمدى إذ تنشر هذه الأعمدة تؤكد الحضور الثقافي الفاعل الذي كان يميز فناننا الكبير.
سامي عبد الحميد
1-4
في الدول المتقدمة أصبح المسرح ضرورة من ضروريات الحياة وحاجة يطلبها المواطنون في حياتهم اليومية ففي المراكز المسرحية في تلك الدول هناك العشرات من دور المسارح يتقاطر إليها الجمهور ويتزاحمون لمشاهدة هذه المسرحية أو تلك ومن شتى الأنواع – الدراما الحديثة والتراجيديا القديمة والكوميديا والمسرحيات الموسيقية . ونادراً أن تجد أبواب مسرح معين مغلقة لفترة معينة بل هناك عروض مسرحية مستمرة على مدار السنة ، وهناك أكثر من عرض واحد في اليوم في بعض المسارح – عرض الماتينية وعرض السواريه . وهناك العديد من المواطنين من يشتري تذاكر الدخول إلى المسرح لمشاهدة عرض معين بوقت يسبق موعد العرض بأيام. المسارح التجارية تعتمد العروض الطويلة الأمد لمسرحية معينة قد تدوم سنوات، ومسارح الدولة تعتمد نظام (الربوتوار) الخزين المسرحي حيث تتنوع عروضها في مواعيد معينة فمن يفوته مشاهدة هذا العرض ينتظر لأيام كي تسنح له الفرصة لمشاهدته عند الإعادة.
المسارح التجارية تدرّ على أصحابها مبالغ خرافية أحياناً مما يشجعهم على استمرارهم في انتاج مسرحيات تجتذب اوسع الجماهير ، ومسارح الدولة – فرق المسرح الوطني تحظى بدعم مالي من الدولة لأن مواردها المالية لا تكفي لتغطية كلف الإنتاج وأجور العاملين ، بالإضافة إلى مسارح الدولة والمسارح التجارية هناك الفرق المسرحية الخاصة وهناك فرق المسرح التجريبي التي تقدم عروضاً مسرحية تستهوي فئة معينة من المواطنين وتحاول أن تستقطب جمهوراً أوسع . كونت تلك المسارح ذائقة فنية متطورة لدى فئات كبيرة من المواطنين ويبدأ تطوير مثل تلك الذائقة بواسطة مسرح الأطفال والمسرح المدرسي ومسرح الجامعات.
اعتمدت ضرورة وجود الفن المسرحي في هذا البلد أو ذاك على محاور عديدة هي كالآتي:
أولاً: محور الضرورة الدينية: حيث نشأ المسرح أصلاً من الطقوس الدينية في بلاد الأغريق، نشأ أيضاً من الاحتفالات الشعبية التي ترتبط هي الأخرى بالمعتقد الديني وبقى تأثير الممارسة الطقسية ملازماً للفن المسرحي حتى بعد أن تحوّل إلى نشاط مدني حتى أن العديد من المنظّرين لهذا الفن يؤكدون على ممارسة الطقس كشرط من شروط الفن المسرحي وراحت بعض الأمم تعمل على إحياء العناصر الطقسية الدينية وإعادة تقديمها بأشكال مختلفة ومنها إحياء المسرحيات الدينية التي تبنتها الكنيسة في القرون الوسطى – الأسرار والمعجزات والاخلاقية وهناك من تابع بتحديث تلك المسرحيات كما فعل المخرج الألماني المشهور (ماكس راينهارت) في مسرحيته (المعجزة) التي قدمها أوائل القرن العشرين، وهناك أمثلة أخرى على أحياء المسرح الديني في اوروبا، وأصبحت (التشابيه) تلك الشعائر الدينية التي تقام خلال الأيام العشرة الأولى من محرم والتي تقدم فيها أحداث من معركة الطف .