TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قناطر: تمرينٌ جديدٌ في اليأس

قناطر: تمرينٌ جديدٌ في اليأس

نشر في: 9 يونيو, 2020: 04:44 م

 طالب عبد العزيز

هل تمتد المسافة بيننا والموت ثلاثة أشهر أخرى، كيما نرى ما إذا كانت حكومة السيد الكاظمي قد حققت بعض ما رجوناه منها أم لا ؟ نحن، الذين أمضينا العقود الطويلة من أعمارنا منتظرين .

فقد وقفنا على باب الموت ثمانية أعوام في الملاجئ المظلمة، وعلى سواتر التراب والطين جنوداً نلقم البنادق المزيد من الرصاص، آملين بمجيء يوم سيعرِّفه الزمن بالثامن من الشهر الثامن من العام 1988 كيما نخرج للحياة منتصرين على أحلامنا. وطوال الأيام المجذومة تلك كنا نردد بيت المتنبي: عجبتُ لسعي الدهر بيني وبينها..... ولما انقضى ما بيننا سكن الدهرُ.

بانتهاء الحرب القذرة تلك، كنا قد أمّلنا انفسنا بنهاية حتمية للنظام القاتل ذاك، لكننا، سرعان ما فقدنا الأمل وعاودنا الانتظار، فانتظرنا عشرة أعوام أخرى نبحث في الأفران عن رغيف خال من التبن والحصى، ومن سوق مزدحمة بالنساء الخائبات الى سوق شاغرة إلا منا، ومن عمل رث الى عمل أكثر رثاثة صرنا نحمل أجسادنا الخربة، نبحث وننتظر، ومثلما رفعنا الى السماء أكفاً داعية، طالبة كسراً من خبز الآلهة التي قالوا إنه كثير، لكن، ولما يئست قلوبنا من الوقوف أمام القباب المذهبة، وعلى الشبابيك المفضضة رفعنا للسماء أفواهاً غاضبة، لكننا، وفي بضعة أيام من انتظارنا الموشك، صرنا طعماً لرصاص جديد، رصاص راح يطيش من كل صوب، بنادق ودبابات أخذتنا من أبواب الانتظار الى الفتحات الكثيرة في سور المقبرة، فكانت امهاتنا يصعدن معنا، ملفعاتٍ الى القمر في الليل، ويتركننا هناك، في السماء الوحشة، حيث لا تظلل الآلهة أحداً منا، فيما ظلَّ الخافرون في الشرطة ورجال الحزب الزيتونيون ينهشون ما ظل من لحم أشقائنا على الطرقات.

لماذا تريدنا أن ننتظر أكثر أيها السيد الكاظمي؟ ألا يكفيك أننا وقفنا ننتظر سبعة عشراً عاماً، نبحث في قفاطين الزمن عن بندقية، فرعاء صادقة، مصنوعة من الصدق والانتصاروعاطلة عن الخيانة تأخذ بثار أجسادنا وقلوب آبائنا، عن بطل سنقول انه يشبهك، لكن، اتعرف لماذا نقول يشبهكك ؟ ذلك، لأننا ما عدنا نملك من الزمن وجهاً نعرفه ، لقد سمل الخونة عيوننا، وساعات حياتنا تعطلت، شاخ الوقت في مفاصلنا، وضاعت خطانا على الدروب، ولا وقت لدينا كيما ننتظر أكثر، ما عدنا قادرين على التشرد والضياع والصبر والانتظار والموت، فما لك لا تصغي لندائنا، نحن على متن طائرة انتظارنا الاخيرة في رحلتنا الأخيرة، وها قد ضرب الدعاة والحكماء والأحرار والإخوان الخونة، العرب والكرد والسنّة والشيعة منهم ومعهم أبناء وأحفاد الله من حولنا الاسوار فمالك لا تفيئ الى أمرنا.

لماذا بدوت مثلهم؟ نسخة مكرورة، لِمَ أخذت انتظارنا الى المقصلة؟ ولماذا لا يدفع بك ضميرك الى نصرتنا، نحن الذين وقفنا ننتظر أربعين عاماً ليضع الامريكان نهاية دولة الاقلية التكريتية، ووقفنا سبعة عشر عاماً بانتظار سقوط دولة الأحزاب الولائية فماذا تريد منا أكثر؟ وقد بلغنا حافة القبر. ألا تتقي الله والعراق وضميرك فينا؟ 

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: في محبة فيروز

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

هل يجب علينا استعمار الفضاء؟

العمودالثامن: في محبة فيروز

 علي حسين اسمحوا لي اليوم أن أترك هموم بلاد الرافدين التي تعيش مرحلة انتصار محمود المشهداني وعودته سالما غانما الى كرسي رئاسة البرلمان لكي يبدا تطبيق نظريته في " التفليش " ، وأخصص...
علي حسين

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

 لطفية الدليمي العلمُ منطقة اشتغال مليئة بالسحر؛ لكن أيُّ سحر هذا؟ هو سحرٌ متسربلٌ بكناية إستعارية أو مجازية. نقول مثلاً عن قطعة بديعة من الكتابة البليغة (إنّها السحر الحلال). هكذا هو الأمر مع...
لطفية الدليمي

قناطر: أثرُ الطبيعة في حياة وشعر الخَصيبيِّين*

طالب عبد العزيز أنا مخلوق يحبُّ المطر بكل ما فيه، وأعشق الطبيعة حدَّ الجنون، لذا كانت الآلهةُ قد ترفقت بي يوم التاسع عشر من تشرين الثاني، لتكون مناسبة كتابة الورقة هذه هي الاجمل. أكتب...
طالب عبد العزيز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

إياد العنبر لم تتفق الطبقة الحاكمة مع الجمهور إلا بوجود خلل في نظام الحكم السياسي بالعراق الذي تشكل بعد 2003. لكن هذا الاتفاق لا يصمد كثيرا أمام التفاصيل، فالجمهور ينتقد السياسيين والأحزاب والانتخابات والبرلمان...
اياد العنبر
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram