طالب عبد العزيز
هل تمتد المسافة بيننا والموت ثلاثة أشهر أخرى، كيما نرى ما إذا كانت حكومة السيد الكاظمي قد حققت بعض ما رجوناه منها أم لا ؟ نحن، الذين أمضينا العقود الطويلة من أعمارنا منتظرين .
فقد وقفنا على باب الموت ثمانية أعوام في الملاجئ المظلمة، وعلى سواتر التراب والطين جنوداً نلقم البنادق المزيد من الرصاص، آملين بمجيء يوم سيعرِّفه الزمن بالثامن من الشهر الثامن من العام 1988 كيما نخرج للحياة منتصرين على أحلامنا. وطوال الأيام المجذومة تلك كنا نردد بيت المتنبي: عجبتُ لسعي الدهر بيني وبينها..... ولما انقضى ما بيننا سكن الدهرُ.
بانتهاء الحرب القذرة تلك، كنا قد أمّلنا انفسنا بنهاية حتمية للنظام القاتل ذاك، لكننا، سرعان ما فقدنا الأمل وعاودنا الانتظار، فانتظرنا عشرة أعوام أخرى نبحث في الأفران عن رغيف خال من التبن والحصى، ومن سوق مزدحمة بالنساء الخائبات الى سوق شاغرة إلا منا، ومن عمل رث الى عمل أكثر رثاثة صرنا نحمل أجسادنا الخربة، نبحث وننتظر، ومثلما رفعنا الى السماء أكفاً داعية، طالبة كسراً من خبز الآلهة التي قالوا إنه كثير، لكن، ولما يئست قلوبنا من الوقوف أمام القباب المذهبة، وعلى الشبابيك المفضضة رفعنا للسماء أفواهاً غاضبة، لكننا، وفي بضعة أيام من انتظارنا الموشك، صرنا طعماً لرصاص جديد، رصاص راح يطيش من كل صوب، بنادق ودبابات أخذتنا من أبواب الانتظار الى الفتحات الكثيرة في سور المقبرة، فكانت امهاتنا يصعدن معنا، ملفعاتٍ الى القمر في الليل، ويتركننا هناك، في السماء الوحشة، حيث لا تظلل الآلهة أحداً منا، فيما ظلَّ الخافرون في الشرطة ورجال الحزب الزيتونيون ينهشون ما ظل من لحم أشقائنا على الطرقات.
لماذا تريدنا أن ننتظر أكثر أيها السيد الكاظمي؟ ألا يكفيك أننا وقفنا ننتظر سبعة عشراً عاماً، نبحث في قفاطين الزمن عن بندقية، فرعاء صادقة، مصنوعة من الصدق والانتصاروعاطلة عن الخيانة تأخذ بثار أجسادنا وقلوب آبائنا، عن بطل سنقول انه يشبهك، لكن، اتعرف لماذا نقول يشبهكك ؟ ذلك، لأننا ما عدنا نملك من الزمن وجهاً نعرفه ، لقد سمل الخونة عيوننا، وساعات حياتنا تعطلت، شاخ الوقت في مفاصلنا، وضاعت خطانا على الدروب، ولا وقت لدينا كيما ننتظر أكثر، ما عدنا قادرين على التشرد والضياع والصبر والانتظار والموت، فما لك لا تصغي لندائنا، نحن على متن طائرة انتظارنا الاخيرة في رحلتنا الأخيرة، وها قد ضرب الدعاة والحكماء والأحرار والإخوان الخونة، العرب والكرد والسنّة والشيعة منهم ومعهم أبناء وأحفاد الله من حولنا الاسوار فمالك لا تفيئ الى أمرنا.
لماذا بدوت مثلهم؟ نسخة مكرورة، لِمَ أخذت انتظارنا الى المقصلة؟ ولماذا لا يدفع بك ضميرك الى نصرتنا، نحن الذين وقفنا ننتظر أربعين عاماً ليضع الامريكان نهاية دولة الاقلية التكريتية، ووقفنا سبعة عشر عاماً بانتظار سقوط دولة الأحزاب الولائية فماذا تريد منا أكثر؟ وقد بلغنا حافة القبر. ألا تتقي الله والعراق وضميرك فينا؟