علي حسين
في العام 1930 كان أنطونيو غرامشي، قد أنهى سنتين من الحكم الصادر ضده بالسجن عشرين عامًا، بعد أن اعتقله رجال موسوليني وأودعوه أحد مراكز الأمن الفاشي، أيقن آنذاك أنه محكوم عليه بالموت البطيء بسبب مصاعب وآلام حياة السجن.. في تلك الأيام الكئيبة كتب عددًا من الرسائل إلى أمه يقول في واحدة منها: "المقاتلون لا يمكن ولا يجب أن يكونوا محط مساومة على نضالهم".
أستشهد بالمرحوم غرامشي وأدرك جيدًا أن لا أحد من قراء هذه الزاوية مستعد هذه الأيام أن يقرأ تنظيرًا عن تجارب الشعوب وصحوات الأمم، وعبارات واستشهادات بأرسطو وسارتر، فلا شيء يعلو على صوت المزايدات السياسية التي كشفت لنا ولو "متأخرًا" أن هذا الشعب عليه أن يدفع الثمن صامتًا، ومن لا يصدق أحيله إلى بيان السيد المالكي الذي أعلن فيه أنه يرفض المساس بكل رواتب السجناء السياسيين.. فيما يصرخ عدد من النواب "وا رواتباه".. أتمنى أن لا يعتقد البعض أنني ضد إنصاف المظلومين ومن قدموا حياتهم من أجل عراق خال من الوحشية والدكتاتورية، ولكن، ياسادة، هل أصبح حب الوطن والدفاع عنه في هذه البلاد الغريبة والعجيبة نوعًا من المنّة، أوعنوانًا لوظيفة يجب أن يحصل عليها كل من حلم بوطن معافى..مثله مثل الحديث عن الإصلاح والنزاهة التي يصر أصحابها على لفلفة المناصب؟.
كلما يطل علينا النائب السابق محمد الهنداوي وهو يهدد ويتوعد من يقترب من راتبه ، أتذكر الرجل العجوز " نيلسون مانديلا " الذي قضى نصف عمره سجينًا وحين حانت لحظة الغنائم، لم يفعل وإنما استمر يناضل من أجل أن يضع بلاده على سلم النزاهة والعدالة الاجتماعية، وبدلًا من أن يسن قوانين لمصلحة فئة من الناس، تحدث بتواضع داعيًا الجميع إلى العمل من أجل أن يظل وطنهم في المقدمة.
كنت أنوي اليوم كعادتي أن أصدع رؤوسكم بالحديث عن البشر العاديين لا العباقرة، وأحدثكم عن قرار مجلس مدينة مينيابوليس الأمريكية، بحل دائرة شرطة المدينة، بعد الاحتجاجات على مقتل الأمريكي الأسود جورج فلويد على يد رجل شرطة.. في الوقت الذي صمتنا فيه عن قتلة متظاهري تشرين .
مارست قواتنا الامنية كل وسائل القمع من ضرب بالرصاص الحي، وقنابل الغاز ، لأن المتظاهرين تجاوزوا الإشارة الحمراء في طريق الديمقراطية العراقية، لم يطق عادل عبد المهدي أن يسمع البعض يشكك بنزاهة حكومته فخرج يعلنها صريحة: "إنّ المتظاهرين يريدون الخراب".
أخطر ما جرى للعراق منذ سبعة عشرعاما، هو هذا العبث في مفهوم العدالة ، ملايين من العراقيين يعيشون تحت خط الفقر ، ومجاميع تتمتع بالثروة والمناصب لانها تحمل لقب " مجاهد " .