ضحى عبدالرؤوف المل
استطاع فن الجاز منذ ولادته التأثير على الفنون والأدب . إذ يتميز بالايقاع الحيوي والارتجال النابض بالحياة حتى في الفنون كافة التي تتخذ من الجاز موضوعاً لها .
وهو الذي نشأ بداية للتخفيف عن العبيد في ثوراتهم ضد الظلم والمعاناة الطويلة. مما أعطى هذه الآلة فعلاً مقاوماً موسيقياً تطور في القرن العشرين، وأصبحت الموسيقى الارتجالية التي تمثل الطاقة القوية المعززة بالرقص مع الاحتفاظ بالخيط الزمني الذي جمعها مع الموسيقى الأخرى .
إن الطبيعة الحركية لعازف الجاز تستهوي بصرياً الفنان، كما تستهوي الممثل والمخرج إن من حيث قدرتها على ترجمة المشاعر أو لصخبها المتوائم مع النفس الإنسانية سواء العازف أو المشاهد أو حتى الرسام أو حتى المستمع. مما يؤثر على الحواس من حيث الحزن الفرح واختلاط المشاعر معاً، كما في المسلسل الفرنسي the eddy" " حيث يدير إليوت اودو وهو الأميركي" اندريه هولاند "النادي المتخصص بالجاز مع صديقه فريد وهو الممثل "طاهر رحيم" الذي تقتله عصابة بعد أن يتورط معها بمبالغ مالية كبيرة ومزورة ، وتبدأ النزاعات بينه وبين العصابة التي تفتك بالنادي، ومن ثم يحاول زعيم العصابة وهو سامي الاستيلاء على النادي والفرقة معاً ، وقد استطاع المخرج الفرنسي الاميركي الحاصل على أوسكار" داميان شازيل" ترك بصمة تعبيرية قوية جدا في الحلقتين الاول من المسلسل حيث نشعر أن الصورة تتكلم والممثل غالباً في حالة تعبيرية قوية شبيهة بالجاز من حيث قدرته على إيصال المفهوم. فالمشهد في الحلقات الأولى والثانية وربما بعض المشاهد من الثالثة كانت لإعطاء صورة عن عازف الجاز ومدى صعوبة تأقلمه مع العازفين على الآلات المختلفة . إذ ظهرت الفروقات واضحة للمشاهد عندما استبدل اليوت كاترين وهي عازفة الطبول بعازف آخر لنشعر أن الايقاع برمته قد تأرجح وانكسر كما انكسرت هي أيضاً نفساً لموت فريد، مما جعله في حالة من التذبذب والخوف على مصير الفرقة التي أعادت للجاز مجد ولادته في القرن الحديث مع الايحاء أن للجاز صوت الدفاع عن الآخرين من المظلومين والمعنفين .
تطغى الموسيقى التصويرية على المسلسل حتى تكاد تلامس صمت الشفاه بشغف وحنين مع أصوات الآلات والأغنيات المتميزة والمتوافقة تماما مع الحالات التمثيلية والقواعد البصرية ، والمزج بين اللغات الفرنسية والاميركية والعربية وغيرها . لنسمع صوت الجدة المرافقة لأحفادها ، والتي تحلم بزيارة مكة . فيحاول حفيدها تحقيق ذلك ، لكنه يفشل ويعاود العمل في مقهى الجاز حيث ابنة إليوت المتمردة على أبيها ، والتي تغني معه في نهاية الحلقة الثامنة . لكن يبقى السؤال المهم في نهاية الحلقة الثامنة هل القوة في التنوع تعني إدراك أننا تختلف ونأتلف ونتلاحم وإن تشاجرنا أو ابتعدنا؟ أم أن المسلسل يعيد الى الأذهان قوة بدايات موسيقى الجاز التي اقترنت مغ ثورة السود في اميركا ؟ وهل المسلسل يحاكي هذه الفترة الحالية التي تعاني منها اميركا ؟ أم إنه أعطى صورة عن الإسلام في جزء منه وتآخيه في العيش في بقعة من أميركا ينتمي لها كل من الجزائرين والمغربيين مثل الجدة التي أحبت جولي وأخذت تعلمها الحروف العربية؟
يحاول المسلسل إثبات أن الموسيقى التي نلعبها هي الحياة ، فما بين الأغنيات والمعزوفات هموم وأفراح أعضاء الفرقة التي تمشي وتعزف في الشارع بعد أن تم إغلاق النادي في الحلقة الأخيرة، وكأن الموسيقى كما يقول لويس ارمسترونغ هي الحياة التي نلعبها. فالإيقاعات المنصهرة مع الرؤية في المشاهد الاكثر قسوة مع الروسية التي تعتني بوالدها، وهو الذي لم يقم بواجب تربيتها أو الاهتمام بها. لنشعر أن العزف على الطبول هو نفسياً يؤدي الى استخراج الغضب من النفس . فهل حاول المسلسل إظهار تمسك السود في أميركا بالعزف على الجاز ليكون تاريخهم هو ثورتهم الأولى التي ولدت معها موسيقى الجاز .