TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > كلاكيت: وهم الثقافة

كلاكيت: وهم الثقافة

نشر في: 10 يونيو, 2020: 06:03 م

 علاء المفرجي

في غمرة عطائه لا ينشغل المبدع في البحث بنظريات الإبداع ومفاهيمه مثلما لا ينشغل في البحث عن ماهية هذا الإبداع قدر انشغاله بما يبدع، وما يمثل إضافة نوعية للمعرفة الانسانية في كل مفاصلها.. فهو لا يحقق ذاته كما يقول يونغ.

ولكن قد يشغله أن يلم بأحد اشتراطات إريك فروم الخمسة ليكون مبدعاً، وهو حاجته الى التجاوز والتخطي وارتياد أماكن غير ماهولة.هو بحاجة إذن لتلمس مواطن الموهبة ليخلق أفكاراً جديدة واخرى مستحدثة ويبقى الناتج الابداعي للمبدع هو الأهم ويتكفل الآخر بما عداه رصداً وتقويماً.

الأمر هنا يتعلق بظاهرة مرضية في وسطنا الإبداعي خاصة (الشاب) منه، ويتمثل بتلك الضجة التي يثيرها المبدع (لاغيره) حول ما ينتج وحتى حول شخصه تحديداً. فبعضهم ما أن تمنح له وسائل النشر المتاحة مجالاً لنشر نتاجه الإبداعي، وقبل أن يتجاوز حصيلة هذا النتاج أصابع اليد الواحدة حتى يكافح لأن يطل من على (منبر)؛ يتحدث عن (تجربته) التي يعرف هو قبل غيره إنها ما زالت في طور النشوء والتبلور، ولم تستوفِ بعد خصوصيتها والأكثر من هذا هو سيل الأحاديث المسهبة بمناسبة أو بدونها في المنتديات والمقاهي عن المخاض العسير للفتح الإبداعي المرتقب، هذا فضلاً عن افتعال الخصومات والمعارك ونظرة الإزدراء والتعسفية لنتاج من سبقوه ورفض أبوّتهم بدافع (المغايرة) حيناً والإعلان عن الذات حيناً آخر.

والجانب الأخطر من هذه الظاهرة هو التهافت على وسائل الأعلام (بدل أن تسعى هي إليه) أو عقد الصفقات مع النقاد.

ومما يزيد من عمق وترسيخ هذه الظاهرة هو تبني (مؤسسات) ثقافية أو (معنية ) بالثقافة لها، وهو الأمر الذي يجعلها طبيعية ، وأن ما يمارسه هو حق طبيعي للمبدع من جهة الترويج لإبداعه ، وبالتالي تكون هذه المؤسسات طرفاً بانتشار هذه الظاهرة.

كل ذلك بدل السعي للانغماس في الاطلاع والقراءة وتمثل التجارب الثرّة لأساطين مجاله الإبداعي، والاهتمام بنوعية ما ينتج وتطويره بقناعة أن ما يخلد ويبقى هو الأثر الابداعي لا غيره.

اتذكر ما قاله مورياك مرة في أحد اللقاءات: (لقد انهك الناس أنفسهم في الكتابة عن حياة راسين من دون أن يتمكنوا من إثبات شيء لقد ضاع في بهاء إبداعه)..

فلم يكن فوكنر إذن على خطأ بقوله (ليس للفنان أهمية، إنما المهم هو ما يبدع).

"جيل يكتب أكثر مما يقرأ" هكذا أجاب طه حسين مرّة عن المشكلة التي يعيشها هذا الجيل، وبالتأكيد هو يتحدث عن جيل يعيش في عالم واسع ولم يكن قد أصبح بعد قرية صغيرة.. فلم يكن ذلك الجيل ينعم بكل هذا البذخ في وسائل التواصل الاجتماعي .. أو الاتصال، الذي وفر بدائل كبيرة وكثيرة عن القراءة، فقد حدثني أستاذ في كلية الآداب إنه سأل طلابه مرّة إن كانوا قد قرأوا (ملحمة كلكامش) فلم يتجاوز 40 طالباً مَن قرأ هذه الملحمة.. 

تُرى لو كان طه حسين يعيش في هذا العصر، فمالذي كان سيقوله؟!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

العمود الثامن: مسيرات ومليارات!!

ثقافة إعاقة الحرية والديمقراطية عربيا

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

 علي حسين في مثل هذه الأيام، وبالتحديد في الثاني من كانون الاول عام 1971، أعلن الشيخ زايد عن انبثاق اتحاد الامارات العربية، وعندما جلس الرجل البالغ آنذاك خمسين عاماً على كرسي رئاسة الدولة،...
علي حسين

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

 علاء المفرجي ليست موهبة العمل في السينما وتحديدا الإخراج، عبئا يحمله مهند حيال، علّه يجد طريقه للشهرة أو على الأقل للبروز في هذا العالم، بل هي صنيعة شغف، تسندها تجربة حياتية ومعرفية تتصاعد...
علاء المفرجي

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

رشيد الخيّون تظاهر رجال دين بصريون، عمائم سود وبيض، ضد إقامة حفلات غنائيَّة بالبصرة، على أنها مدينة شبه مقدسة، شأنها شأن مدينتي النَّجف وكربلاء، فهي بالنسبة لهم تُعد مكاناً علوياً، لِما حدث فيها من...
رشيد الخيون

الانتخابات.. بين صراع النفوذ، وعودة السياسة القديمة

عصام الياسري الانتخابات البرلمانية في العراق (11 نوفمبر 2025) جرت في ظل بيئة أمنية نسبيا هادئة لكنها مشحونة سياسيا: قوائم السلطة التقليدية حافظت على نفوذها، وبرزت ادعاءات واسعة النطاق عن شراء أصوات وتلاعبات إدارية،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram