TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قناديل: الإبداع جزء جوهري من حريتنا

قناديل: الإبداع جزء جوهري من حريتنا

نشر في: 13 يونيو, 2020: 05:17 م

 لطفية الدليمي

ضمن حوار مع أستاذ الأدب الانكليزي والمنظّر في الأدب مابعد الكولونيالي البروفيسور ) هومي بابا Homi Bhabha ) يفصح عن اعتباره الأدب والفن جزءً جوهريا من حريتنا ، يقول :

" في عالم ذرائعي واستهلاكيّ على نحو متزايد ، أظنّ أنّه من المهمّ أن نضع في مواجهته التطلّعات العظمى للأدب والشعر والرسم والموسيقى ، لأن الفنّ والتجربة الجماليّة يضفيان الحماسة والشغف على مبادئنا ومعتقداتنا. يجب النظر إلى الفنّ كجزء جوهري من حريّتنا، وليس كجزء اختياري منها. "

يؤكد هومي بابا هنا على تشابك المسعى الجمالي الإبداعي مع مفهوم الحرية ، حريتنا التي تقضمها الأنظمة والتقاليد والهوس الاستهلاكي والمجتمعات الراكدة ، وليس سوى الابداع من يرتقي بها ويسندها ، فقد أثبتت الأعمال الفنية والإبداعية الكبرى في كل البلدان و على مر العصور ، قدرتها على تعزيز مسوغات الأمل في النفوس المحبطة واستنباط وسائل دعم روحية وإسناد نفسي للنهوض بمهام الحياة اليومية من جانب ، و حث البشر على مواصلة الكفاح من أجل حريتهم وعيشهم الراهن وأحلام غدهم . 

تساعد الفنون مجتمعة على الارتقاء بالحياة الإنسانية في الوقت الذي تثري مخيلات البشر وترهف أحاسيسهم وترتقي بتطلعاتهم ؛ فتحفزهم على تذوق الجمال واعتناق قيمه ، وكلما كانت مفاعيل الآداب والفنون والموسيقى محسوسة ومؤثرة في مجتمع ما ، كلما أصبحت دافعاً محرضاً على الإنجاز و تحسين أساليب العيش و بعث الشغف من سباته وإيقاد شعلة الحماسة التي خبت تحت رماد القهر و الحرمان .

ثمة شعوب تنام وتصحو على أنغام الموسيقى الصادحة : فرق موسيقية وعازفون وعازفات في المحطات والطرقات ، ومكبرات صوت في بعض الساحات تبث السيمفونيات والسوناتات ؛ وفرق راقصة تقدم فولكلور شعوبها ومسرحيات موسيقية في مسارح على عدد أحياء المدينة الواحدة ، وبعضها يعرض على منصات المتنزهات الكبرى و المقاهي ، وشتان بين هذه الشعوب التي تتدفق الموسيقى بين أنفاسها وخطواتها وتُمتع أنظارها بالنصب والتماثيل الرائعة التي أبدعها فنانون كبار وتجملت بها الساحات والشوارع والمؤسسات ، وبين شعوب صودرت حياتها بحرمانها من الخدمات الأساسية و بهجة التمتع بالفنون الرفيعة التي تشفي النفوس والأجساد من تراكمات اليأس والحزن وكآبات افتقاد الحرية ، شعوب أغرقوها بالنحيب و السواد و الأحزان المؤبدة ، فانكمشت حريتها و وهن شغفها وحيل بينها وبين أسباب الفرح ؛ فورثت العجز والعنف والتخاذل. 

تصوغ الآداب والفنون الرفيعة أمزجة الشعوب وتضخ في عروق الناس دفقات من النشوة تدفع بهم للتمسك بحريتهم واجتراح سبل مبتكرة لتحسين الحياة وتطويرها ؛ لانطواء الفنون على شحنات منشطة تماثل القوى السحرية التي كانت للأساطير والحكايات التي يرويها الحكاؤون صحبة عازف أو راقص أو ممثل إيمائي أمام تجمعات بشرية في أفريقيا وأمريكا اللاتينية وآسيا ؛ فتدفع تلك القوى المنعشة بالإنسان إلى تجاوز عجزه وإطلاق قدراته الحبيسة وانبثاق رؤى ملهمة لديه تعزز الشغف وتحفز لمواجهة صعوبات العيش اليومية ، مثلما تعينه القراءة والموسيقى على تحمل مفاعيل الكوارث التي تحيق بعالمنا ، فكم من قطعة موسيقية باهرة شحذت المخيلة وارتقت بالأرواح وحفزتها لتذوق تجليات الجمال ؟ وكم من قصة أو رواية شحذت همم الرجال والنساء وبثت فيهم الحماسة للعمل والتشبث بحريتهم والدفاع عن مواقفهم ؟ وكم من تجربة إنسانية ناجحة تروى فترفع مستوى هرمونات السعادة لدى كثير من اليائسين ؟

أجل بمستطاع الإبداع إنجاز الكثير مما عجزت السياسات والآيديولوجيات

عن إنجازه ، لاشتباك الفعل الإبداعي مع جوهر الحرية .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

السيد محمد رضا السيستاني؛ الأكبر حظاً بزعامة مرجعية النجف

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

 علي حسين منذ أيام والجميع في بلاد الرافدين يدلي بدلوه في شؤون الاقتصاد واكتشفنا أن هذه البلاد تضم أكثر من " فيلسوف " بوزن المرحوم آدم سميث، الذي لخص لنا الاقتصاد بأنه عيش...
علي حسين

كلاكيت: مهرجان دهوك.. 12 عاماً من النجاح

 علاء المفرجي يعد مهرجان دهوك السينمائي مجرد تظاهرة فنية عابرة، بل تحوّل عبر دوراته المتعاقبة إلى أحد أهم المنصات الثقافية في العراق والمنطقة، مؤكّدًا أن السينما قادرة على أن تكون لغة حوار، وذاكرة...
علاء المفرجي

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

لطفيّة الدليمي هناك لحظاتٌ تختزل العمر كلّه في مشهد واحد، لحظاتٌ ترتفع فيها الروح حتّى ليكاد المرء يشعر معها أنّه يتجاوز حدود كينونته الفيزيائية، وأنّ الكلمات التي كتبها خلال عمر كامل (أتحدّثُ عن الكاتب...
لطفية الدليمي

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

رشيد الخيّون حصلت أكبر هجرة وتهجير لمسيحيي العراق بعد 2003، صحيح أنَّ طبقات الشعب العراقي، بقومياته ومذاهبه كافة، قد وقع عليهم ما وقع على المسيحيين، لكن الأثر يُلاحظ في القليل العدد. يمتد تاريخ المسيحيين...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram