علاء المفرجي
فيلم "ذهب مع الريح" للمخرج فيكتور فليمينغ ورغم مرور أكثر ثمانية عقود على صدور الفيلم الذي حقق سبقاً في الإيرادات بحسابات ذلك الزمن، فضلا عن حصوله على ثمانية جوائز أوسكار وإطلاقه شهرة نجومه، و"ذهب مع الريح" يُعد أهم رابع فيلم أميركي بحسب قائمة أعدّها " ، كما أنه على الدوام كان ينال سبقاً في قائمة معهد الفيلم الأميركي".
التي وضعت الفيلم على رأس قائمة الأفلام المفضّلة لدى الأميركيين ، يعود ليتصدر الأخبار هذه الأيام.. ولكن هذه المرّة من باب الهجوم حيث قامت شبكة تلفزيون HBO Max بسحب هذا الفيلم من جدول برامجها ، كما وأعلنت شبكة "باراماونت" إلغاء برنامج الواقع "الشرطة" Cops، في دلالة على تدقيق شركات الترفيه في محتواها، في أعقاب الاحتجاجات الأميركية على العنصرية ووحشية الشرطة.
ففي الاستيبيان الذي أجرته إحدى المؤسسات المتخصصة في أوج النجاح الذي حققه الفيلم الظاهرة (تاتنيك) نهاية التسعينيات والذي لم يشهد له مئة عام من تاريخ هذا الفن والذي اعتبر مرحلة جديدة في مسيرة الفن السابع وحدثاً استثنائياً، وموضوع هذا الاستبيان كان مغامرة بحد ذاته، ذلك انه يتعلق بالمقارنة بين النجاح الذي حققه هذا الفيلم مع فيلم آخر سبقه بنصف قرن و ألهب خيال الملايين. من مشاهديه وأصبح أحد أهم الأفلام في تاريخ السينما ذلك هو فيلم (ذهب مع الريح).. وكانت النتيجة بمثابة المفاجأة.. حيث أظهر الاستبيان أن فيلم ذهب مع الريح ما زال في المقدمة ، وتكمن المفاجأة أن هذا الاستبيان أجري في وقت النجاح المدوي لفيلم تاينتيك، كما أنه نظم بعد فاصل زمني جاوز أكثر من نصف قرن على إنتاج الفيلم الآخر، وأمر آخر مهم إن هذا الاستبيان استهدف شريحة من الشباب، وهم الجيل الذي لم تسنح له فرصة مشاهدة الفيلم سنة إنتاجه.
ويعد "ذهب مع الريح" (1939) من كلاسيكيات السينما الأميركية، وحاصل على ثماني جوائز "أوسكار"، وهو من بطولة كلارك غايبل وفيفيان لي وهاتي ماكدانييل. ويروي قصة حب بين البطلة الجنوبية "سكارليت أوهارا" و"ريت باتلر"، وسط الحرب الأهلية الأميركية، لكن تصوير الفيلم للرقيق وتمجيده بمالكيهم وإضفاء الرومانسية على العبودية أثارت انتقادات عدة.
وقالت HBO Max إن "(ذهب مع الريح) وليد عصره، ويصور بعض التحيّزات العرقية التي ــ للأسف ــ كانت شائعة في المجتمع الأميركي". وأوضحت أنه حين يُعاد الفيلم إلى المنصة، سيكون مرفقاً بـ"مناقشة حول سياقه التاريخي، واستنكار للتوصيفات فيه"، لكنه سيقدم بنسخته الأصلية، و"إذا أردنا تحقيق مستقبل أكثر عدلاً وشمولاً، فعلينا أولاً الإقرار بتاريخنا وفهمه".
كما أعلنت "باراماونت" إلغاء برنامج الواقع "الشرطة" الذي يقدم صورة إيجابية عن أفراد هذه المؤسسة، وسحبت شبكة "إيه أند إي" برنامجاً مؤيداً للشرطة، عنوانه "لايف بي دي" Live PD من جدولها الزمني، من دون تحديد موعد جديد لعرضه.
المفارقة أن أحد الوجوه السينمائية وهو السيناريست جون ريدلي، والفائز بجائزة "أوسكار" عن سيناريو فيلم "12 عاماً من العبودية" ، طالب بسحب فيلم "ذهب مع الريح" من "إتش بي أو ماكس"، عبر مقالة نشرتها صحيفة "لوس أنجليس تايمز" الأسبوع الماضي
فقد اعتبر ريدلي أن الفيلم "لا يكتفي بتجاهل أهوال العبودية، بل يخلّد بعض أكثر الصور النمطية إيلاماً للأشخاص الملونين"، قائلاً إنه "يخلد أيضاً العنصرية التي تدفع الأميركيين الغاضبين والحزانى نحو الشوارع أخيراً".
يُذكر أن مقتل الأميركي من أصل أفريقي جورج فلويد اختناقاً، بعدما ركع شرطي أبيض على رقبته، نحو 9 دقائق، صُوّر بالفيديو، وأثار غضباً على وحشية الشرطة الأميركية والعنصرية في البلاد، مؤججاً احتجاجات واسعة في الولايات المتحدة.
واعتبره الكثير من (السينمائيين) عملاً يحرّف التاريخ ولا يرد الاعتبار بشكل كاف إلى ضحايا العبودية. مثلما نالت أفلام مثل "مولد أمة" لغريفيث ووسترنات لجون فورد، من هذه التهمة.
"ذهب مع الريح" (1939) أمام هذا المجد من الانجازات والذي جعلته من كلاسيكيات السينما الأميركية، ومعد من رواية شهيرة لمارغريت ميتشل، يقرر البعض ومنهم أهم السينمائيين حذفه من تاريخ السينما، لقراءة خاطئة لموضوعه، ولانريد أن نقول محاباة مفتعلة لرأي الذي نزلوا الى الشارع ضد التعسف العنصري للشرطة.
فالفيلم عشقه المشاهد على مدى ثمانين عاماً للقصة الرومانسية، ولم يكن للنفس العنصري الذي فيه، والذي إن وجد فهو ضمن سياق الرواية التي صدرت قبل ثلاثة أعوام من إنتاج الفيلم... فهي قصة فتاة بسيطة٬ أثناء الحرب الأهلية بين ولايات الشمال والجنوب الأميركية؛ وكان من الطبيعي أن تتضمن إشارات واضحة للنظام الطبقي السائد ف "الشخصيات في الرواية منظمة في مجموعتين أساسيتين من حيث الطبقات: طبقة المزارعين البيض، مثل سكارليت وآشلي، وطبقة الخدم المنزليين السود ، العبيد المصورون في ذهب مع الريح بمعظمهم خدم منزليون أوفياء، مثل مامي، وبورك، وبريسي، والعم بيتر. الخدم المنزليون أعلى «طبقة» من العبيد في نظام ميتشل الطبقي ، هم اختاروا البقاء مع أسيادهم بعد إعلان تحرير العبيد عام 1863 وبعد التعديل الدستوري اللاحق في عام 1865 الذي أعلنهم أحراراً ، من الخدم الذين بقوا في تارا، كما تفكر سكارليت، «كان هناك روابط وخصائص ولاء ومثابرة وحب لا يمكن لشيء كسرها، ولا يمكن لمال شراءها.
فلا يمكن أن نرى هذه الأحداث التي كانت من القوة والتأثير بحيث إنها جعلت الثقافة الاميركية تعيد النظر بموروثها العتيد من أجل استمالة مكون كبير في المجتمع الاميركي وهو السكان من أصول إفريقية.