TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > العمود الثامن: الذين يحبون الوطن

العمود الثامن: الذين يحبون الوطن

نشر في: 17 يونيو, 2020: 08:15 م

 علي حسين

كلما يدور حديث عن المصالحة الوطنية التي تتحول مرة إلى المصالحة التاريخية، ومرة أخرى إلى المصالحة المستدامة، أتذكر الزعيم الأفريقي الراحل نيلسون مانديلا، وأخشى أن أسال: لماذا لايوجد مانديلا عراقيّ؟

لأنني في كل مرة أشاهد وأسمع عددًا من الساسة يتحدثون عن مآثرهم في المصالحة، حتى أنّ خطيب العراق إبراهيم الجعفري "الغائب" عن الأنظار، خرج ذات يوم صارخًا : "مانديلا العراقيّ موجود، التفتوا حولكم وسترونه جيدًا" الغريب أنّ الباحثين من أمثالي عن مانديلا عراقي لم يجدوا غير ظلال صاحب "السيادة" الذي يذكرنا في كل مرة بأن المعركة الحقيقية في العراق ليست من أجل التنمية أو المستقبل، وإنما هي بين معسكر الحسين "ع" ويزيد!! .

يبدو الحديث عن مانديلا هذه الأيام وقد مرت قبل اسابيع قليلة ذكرى 30 عاما على اطلاق سراحه ، أشبه بالحديث عن حلم عاشه رجل في زنزانة ضيقة وحين أطلق سراحه عمل جاهدًا من أجل المحافظة على بلد متماسك بكل ألوانه، كان الأمر في البداية أشبه بالمستحيل، فالكل يشحذ سكاكينه، والكل يتهيأ لحرب الانتقام، وكان أمام العجوز الذي خرج منهكًا من المعتقل خياران، الأول أن يبدأ حرب الانتقام ضد البيض الذين عذبوه لأكثر من ربع قرن، وحكموا مواطنيه الأفارقة بقوانين تساويهم بالحيوانات، والخيار الثاني أن يحافظ على أمن وسلامة البلاد وروحها، فاختار الطريق الثاني، وهو ألّا يلغي مواطنة البيض الذين استقروا في هذا البلد منذ أكثر من ثلاث مئة عام، ليفاجئ العالم بسياسة اليد الممدودة، وعقاب المخطئين بمحاكمات الاعتراف العلنية لتطهير النفس بديلًا عن الانتقام والقتل. وحين كان له الخيار في نائبه كأول زعيم إفريقي في بلده لم يذهب خياره إلّا لزعيم الأقلية البيضاء، دي كليرك، مؤكدًا أن الإنسان الحق هو ذاك الذي لا يكرّر خطأ الظلم الذي ناضل كي يرفعه.

التسامح والغفران يتطلبان إيمانًا بأن الأفكار مثلها مثل الأشياء تتحول وتتغير، أما عدم التسامح والعجز عن الغفران فهما دليل تعصب وجمود، وبسبب مانديلا الذي عمم مفهوم التسامح فإن جنوب أفريقيا اليوم أهم وأكثر دول القارة استقرارًا ونجاحًا.

كان مؤسس الاقتصاد الحديث آدم سميث يقول لمن يريد أن يعمل في السياسة: "عليك أن تراقب الإنسان الذي في داخلك، وأن تضبط نزواته وغرائزه". للأسف لا أحد من ساستنا يريد اليوم أن يراقب ما بداخله، لأنه في المواقف الصعبة، يظهر على حقيقته، لم تعد الوطنية والنزاهة والسمعة الطبية من همومه، ما دام يجد من يصفق له وينتخبه ويسير خلفه.

من منا سيقرأ سيرة مانديلا جيدًا ليتعلم أن السياسة هي فن المحافظة على الشعوب، لا فن التلاعب بأقدار الناس؟!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: سياسيو الغرف المغلقة

العمود الثامن: ماذا يريدون؟

السردية النيوليبرالية للحكم في العراق

العمود الثامن: عاد نجم الجبوري .. استبعد نجم الجبوري !!

العراق إلى أين ؟؟

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

 علي حسين كان العراقي عصمت كتاني وهو يقف وسط قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة، يشعرك بأنك ترى شيئا من تاريخ وخصائص العراق.. كان رجل الآفاق في الدبلوماسية وفي السياسة، حارساً لمصالح البلاد، وحين...
علي حسين

قناطر: بغداد؛ اشراقةُ كلِّ دجلةٍ وشمس

طالب عبد العزيز ما الذي نريده في بغداد؟ وما الذي نكرهه فيها؟ نحن القادمين اليها من الجنوب، لا نشبه أهلها إنما نشبه العرب المغرمين بها، لأنَّ بغداد لا تُكره، إذْ كلُّ ما فيها جميل...
طالب عبد العزيز

صوت العراق الخافت… أزمة دبلوماسية أم أزمة دولة؟

حسن الجنابي حصل انحسار وضعف في مؤسسات الدولة العراقية منذ التسعينات. وانكمشت مكانة العراق الدولية وتراجعت قدراته الاقتصادية والسياسية والعسكرية، وانتهى الأمر بالاحتلال العسكري. اندفعت دول الإقليم لملء الفراغ في كواليس السياسة الدولية في...
حسن الجنابي

إدارة الاقتصاد العراقي: الحاجة الملحة لحكومة اقتصادية متخصصة

د. سهام يوسف بعد مصادقة المحكمة الأتحادية على نتائج الانتخابات الأخيرة، يقف العراق على أعتاب تشكيل حكومة جديدة. هذه الحكومة ستكون اختبارًا حقيقيًا لإصلاح الاقتصاد العراقي المتعثر، حيث تتوقف عليه قدرة البلاد على مواجهة...
سهام يوسف علي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram