TOP

جريدة المدى > عام > كارلوس زافون.. رحيل عاشق برشلونة

كارلوس زافون.. رحيل عاشق برشلونة

نشر في: 20 يونيو, 2020: 05:25 م

علي حسين

توفي كارلوس زافون ، المؤلف الإسباني للروايات الأكثر مبيعاً في العالم والذي كثيراً ما يوصف بأنه المؤلف الإسباني الأكثر قراءة منذ سرفانتس ، تُرجمت رواياته الى 40 لغة وبيع منها ملايين النسخ ،

وكان قد تم تشخيص إصابته بسرطان القولون قبل عامين ، وصفه رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز في تغريدة على تويتر امس الجمعة بانه أكثر الكتّاب الإسبان قراءةً وإعجاباً في العالم.

كارلوس زافون المولود في برشلونة عام 1964 ، حاول أن يظهر في رباعية مقبرة الكتب المنسية دراما الظل الطويل الأمد للحرب الأهلية الإسبانية وديكتاتورية الجنرال فرانكو. نشأ زافون، الذي كان عمره 11 عاماً عندما توفي فرانكو، واصبحت اسبانيا ملكية، استقرّ في لوس أنجلوس قبل أكثر من عشرين عاماً ، لكنه بقي كاتباً أسبانياً خالصاً . ينتقد ماجرى في بلاده أثناء فترة حكم الجنرال فرانكو ، لكنه يعشق العيش في اميركا حيث الشغف بأفلام أورسون ويلز ومتعة الاستماع الى موسيقى الجاز ، كان ينتابه إحساس غريب وهو يعيش بعيداً عن مسقط راسه :" في لوس أنجلوس ، تشعر في بعض الأحيان أن هناك دورية غامضة في الليل مهمتها محو الماضي ، إنها مثل قصة راي برادبري أشبه بـ "محايات الذاكرة" .وهو يعرف جيداً أن مسقط رأسه مختلف بعض الشيء عن العالم الذي يعيش فيه اليوم ، فالتاريخ المؤلم والمثير هناك يكمن في ذاكرة أهالي برشلونة :" أرى المدن ككائنات حية ، كمخلوقات حية. بالنسبة لي مدريد رجل و برشلونة امرأة ، لكنها امرأة عبثية للغاية " . تمنى وهو في السادسة من عمره أن يصبح كاتباً ، ورغم أن عائلته غير معنية بالأدب ، إلا أن الكتب كانت تأخذ حيزاً مهماً في منزلهم .

بدء تجربته الأدبية بالكتابة للاطفال ، عام 1993 ينشر أولى أعماله القصصية ليحصل من خلالها على جائزة مالية تمكنه من تحقيق حلمه بالسفر الى اميركا ورؤية دور السينما وصالات عزف موسيقى الجاز

يعترف بأنه واجه صعوبة في نشر كتبه الأولى التي كانت ترفض من قبل دور النشر :" صحيح أن أعمالي قد رُفضت كثيراً، وكل الكتاب يتلقون ذلك.. لكني كنت مؤمنا بأن العالم سيعثر عليّ ذات يوم " ، عمل في مجال الإعلانات وكتب السيناريو لبعض الأفلام الشبابية ، أصدر في عدداً من الروايات الخاصة بالفتيان ، في عام 1999 ينشر روايته "مارينا" لأول مرة في إسبانيا ، وفيها ينقل كارلوس زافون القراء إلى برشلونة عام 1979 ، حيث يعيش أوسكار البالغ من العمر 15 عاماً حياة مدرسية داخلية رتيبة حتى يلتقي بفتاة تدعى مارينا ، التي تأخذه إلى مقبرة قديمة هناك تجري امرأة طقوساً غريبة على قبر مجهول الاسم. سرعان ما يكشفون عن قصة ملتوية عن مرض وراثي غريب وجريمة قتل غامضة ، ونكتشف أنها حدثت جميعها منذ سنوات وأن اشخاصها ماتوا منذ سنوات بعيدة . عام 2001 تتحقق نبوءته حيث يعثر عليه العالم بعد أن ينشر روايته "ظل الريح"التي باعت ملايين النسخ وترجمت الى أكثر من خمسة وأربعين لغة ، ليلحقها برواية لعبة الملاك عام 2008 والتي اعتبرت الجزء الثاني من رباعية " مقبرة الكتب المنسية " ، ثم عام 2011 أصدر سجين السماء واختتم مقبرة كتبه المنسية برواية "متاهة الأرواح " التي صدرت عام 2016 ، يقول زافون: "ما أريده هو أن يتم ترتيب هذه القصص كمتاهة لها نقاط دخول مختلفة". الروايات الأربعة التي اطلق عليها بعض النقاد تسمية "الصندوق الصيني للخيالات" ، تمتلك كل واحدة منها نغمة مختلفة ، ونسيج مختلف ، لكنها جميعها تروي لنا حكاية فيرمين مع الكتب :" "لقد كان دائماً المركز الأخلاقي في الروايات الأربعة . إنه الرجل الذي يحمل الحقيقة بين يديه، فيرمين هو أيضاً في كثير من الأحيان أشبه بتحية تحية لتقاليد الأدب الإسباني العظيم . لقد كان يحمل سراً يمكن أن يأخذنا إلى القلب من هذه المتاهة ".

ثمة الكثير من روايات القرن التاسع عشر في روايات كارلوس زافون التي يحاول ابطالها إعادة بناء مدينتهم برشلونة وذكرياتها أثناء الحرب الاهلية . وهو يطرح السؤال الهام : هل يجد الإنسان العزاء في الكتب والحب والصداقة والمغامرات ؟ يكتب :" "ما فعلته هو أخذ كل الطموح الكبير في جميع روايات القرن التاسع عشر هذه ، ، وحاولت إعادة بناء كل ذلك مع جميع العناصر السردية التي قدمها لنا القرن العشرون ، من قواعد السينما ، من الوسائط المتعددة ، من الخيال العام ، من كل ما هو موجود ، لخلق تجربة قراءة أكثر كثافة للقراء ". وبرغم العيش بعيداً عن إسبانيا إلا مدينته برشلونة وفرت له شوارعها وحدائقها ومقابرها ومكتباتها وبناياتها الغربية الأطوار أرضاً خصبة للخيال ، ومكاناً متميزاً للأعمال الروائية المزروعة بالغموض والتوتر :" برشلونة هي شخصية في حد ذاتها" هكذا يعترف زافون " ، ولهذا نجده في رواياته يدعونا باستمرار لرؤية "مدينة الملعونين" هذه كما يسميها .

ظل يحلم مثل أبطال رواياته بان يجد اسمه مطبوعاً على غلاف ورقي يُعمر في الحياة أكثر من صاحبه ، يتذكر أن والده كان يشتري له قصص ديكنز ومختصرات ملونة من رواية سيرفانتيس " دون كيشوت " ، يصر أنه لايكتب روايات عن الكتب وإنما عن الناس الذين يدورون في فلك الادب ، تمتلئ رواياته بشخصيات مرتبطة بعالم القراء والمطابع : أصحاب مكتبات كتب ، مطابع ، ومؤلفنين :" لا أظن جازماً أنني أكتب عن الكتب، بل عن الناس والقصص واللغة والأفكار "، يعترف إنه يكتب من أجل القراء ، وليس من أجل الأدب ، ويؤمن مثل امبرتو إيكو الذي سحره بروايته اسم الوردة انه لايكتب لنفسه :" ولكن لأشخاص آخرين ، أشخاص حقيقيون وأعتقد أن إيكو كان على حق عندما قال أن الكتاب الذين يقولون إنهم يكتبون لأنفسهم ولا يهتمون بامتلاك جمهور كبير، واهمون ، لأن الشيء الوحيد الذي تكتبه لنفسك هو قائمة تسوق من البقالة " ، يصارح محرر جريدة الغارديان الذي كان قد التقاه بشقته الأنيقة في لوس انجلوس أنه يتخذ من الكتابة مهنة ليعيش منها :" لقد كنت أقوم بالكتابة وأقوم بتصنيع أشياء لتغطية نفقاتي منذ أن تركت المدرسة. إنها طريقتي للبقاء على قيد الحياة ، وكسب لقمة العيش والإبحار في هذا العالم " ، وهو سعيد لأن الكتابة ساعدته على الاستمرار في العيش :" لقد أصبحت لقد أصبحت كاتباً ، وصيرفياً للحكايات ، لأنني لولا هذا الفعل لكنت قد مت من زمان " .

أربعة كتب في خمسة عشر عاماً ، وثروة تفوق ما حصل عليه كبار الكتّاب ، لايبدو الاختصار ممكنا لرباعية " مقبرة الكتب المنسية" والتي ترجمها منها الى العربية المترجم المبدع والمتميز معاوية عبد المجيد ، ووفق الغارديان البريطانية ، فان النجاح الذي حصده كارلوس زافون أمر مدهش لا يحدث سوى مرة واحدة كل نصف قرن لأن : " كتابة رواية ممتعة وكثيفة وغنية بالأفكار وجماهيرية في نفس الوقت ، أمر أصبح نادر الحدوث ، منذ أن أصدر غابريل غارسيا ماركيز رائعته مئة عام من العزلة " .

يخبرنا كارلوس زافون أنه يكتب رواياته وكانه يكتب فيلماً سينمائياً على ثلاث مراحل. المرحلة الأولى هي مرحلة ما قبل الإنتاج ، والتي يقوم فيها بإنشاء خريطة لما سيفعله : " على الرغم من أنني غالباً ما انتهي بتغيير كل شيء." ثم مرحلة التصوير حيث يقوم بجمع كل العناصر الخاصة بالفيلم . :" خلال هذه المرحلة غالباً ما تصبح الرواية أكثر عمقاً مما كنت أتوقع ، ولهذا أعمل على تغيير الكثير من الأحداث " . ثم المرحلة النهائية هي جعل كل شيء يبدو طبيعياً :" وهذا هو الجزء الذي يأخذ مني أكبر قدر من الجهد ، وفي النهاية فأنا أحاول أن أخرج من صندوقي السحري كل الحكايات التي

قال: "في النهاية كان هذا ما حلمت به" ، ووصف رباعية مقبرة الكتب المنسية بأنها "كتب عن العالم الداخلي الخاص بي ، عن الكتابة والقراءة ... أردت استكشاف العملية الإبداعية لرواية القصص ، وهذا سمح لي أن أفهم أشياء كثيرة عن نفسي. لا أعرف ما إذا كنت أكثر حكمة ، لكني أشعر بسلام أكبر مع نفسي ".

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

النوبة الفنيّة أو متلازمة ستاندال

علاقة الوعي بالمعنى والغاية في حياتنا

تخاطر من ماء وقصَب

موسيقى الاحد: كونشرتو البيانو الثالث لبيتهوفن

التقاليد السردية بين الأصالة والأقلمة

مقالات ذات صلة

أدباء: الشعر لم يخل عرشه فما زال يتشبث وأثبت بأنه يحتفظ بالقدرة على التنويع والتجديد
عام

أدباء: الشعر لم يخل عرشه فما زال يتشبث وأثبت بأنه يحتفظ بالقدرة على التنويع والتجديد

علاء المفرجي يرى الكثير من القراء والنقاد انه كان للرواية ظهور واضح في المشهد الأدبي العراقي خلال العقود الثلاث الأخيرة، فهل استطاعت الرواية أن تزيح الشعر من عليائه؟ خاصة والكثير من الشعراء دخلوا مجال...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram