ريسان الخزعلي
( 1 )
الشعر يتغيّر كما تتغير الحياة ، يتغير بفعل التحولات : الفكرية ، الفلسفية ، السياسية ، الاقتصادية ، العلمية ، الاجتماعية ..الخ
ويأخذ أشكاله ومضامينه تبعاً لهذه التحولات ومديات تأثيرها في وعي الشاعر ومدركاته الحسيّة ، وكذلك في لاوعيه وباطنيته ، فالشاعر فرد من مجتمع وليس فرداً في مجتمع . وقصيدة النثر في الشعرية العراقية والعربية عموماً جاءت بعد الهزّة النوعية التي أحدثها الرواد : السياب ، البياتي ، نازك الملائكة ، بلند الحيدري ، في شكل القصيدة ذات الشطرين الافقيين ، أي القصيدة الافقية ، وهي التسمية الأدق من التسمية المعتادة – القصيدة العمودية . وقد أُطلق على هذه الهزّة ثورة الشعر العربي الحديث نظراً لجدّة وحداثة الشكل والمضمون اللذَين جاءت بهما رغم المحافظة على الوحدات ( الخليلية ) ذاتها ولكن بتنويع ايقاعي مغاير عددياً ، إضافة الى التنويع في التقفية : التقفية الخارجية والداخلية ، وغيرها من الجماليات . لقد جاء التحوّل متأصلاً وذاهباً الى التأصيل ، ومع ذلك واجه التردد في القبول والتلقي ..، ( والكلام هنا يحتاج الى الكثير من الاستطراد ) .
( 2 )
قصيدة النثر - كشكل لاحق في الشعرية العراقية والعربية - جاءت بفعل من خارج التأصيل ، جاءت بفعل تحولات شعرية أوربية ، الفرنسية تحديداً ، بعد أن كشفت ( سوزان برنار ) بتنظيراتها اللامعة عن أسلوبية وجماليات هذه القصيدة ، وقد لفتت الانتباه اليها كثيراً ، وتلقف تنظيراتها الكثير من الشعراء وبخاصة جماعة مجلة شعر اللبنانية .
نعم ، قصيدة النثر ، وبعيداً عن التفصيل والإشارة الى جذور النثرية العربية لاسيما في شقّها الصوفي ، تحقق الآن حضوراً عالياً بنماذجها النوعية المتقدمة وشعرائها المثقفين رغم كثرة مَن يستسهل كتابتها بمناخ انشائي .
إنَّ أهم ما تواجهه قصيدة النثر في التلقي ، هو غياب الايقاع متناوب التكرار - الايقاع الموسيقي ، بإعتبارأن َّ الشعر يقوم اساساً على تنغيم موسيقي يُشاغل حاسة السمع وعمق الانصات . لقد إجترح منظّروها بدائل اخرى للإيقاع الموسيقي : التوازي ، الفراغات ، التكرار ، الصورة ..، ومع ذلك ظلَّ هذا الاجتراح زائغاً ، مما جعلها في تضاد مع قصيدة الشعر . الّا أن المهم فيها هو مراودة كمية الشعر المكتنزة في النثر وتطويعها في نصوص مركّزة وأُخرى مفتوحة...، انها في المركز الشعري حين يتحقق ثبات الموهبة والثقافة والتجربة ...