د. فالح الحمـراني
بعد تورطها في سوريا وليبيا، ونشر قاعدة لها عسكرية خارج حدودها وتعكير أجواء علاقاتها مع عدد من الدول العربية، جدّدت تركيا تجاهلها لأبسط قواعد القانون الدولي وانتهكت حرمة الأراضي العراقية، والقيام بعمليات عسكرية في داخل أراضيها، بحجة مقاومة الانفصاليين من حزب العمال الكردستاني.
ولم يعد خافياً أن النظام التركي يميل أكثر فاكثر الى اعتماد القوة العسكرية في تسوية القضايا الداخلية، وفي التعامل في السياسة الخارجية مع الدول الأخرى، وتمرير مصالحه. وبالمناسبة هذا هو النهج القائم في النظام الدولي الحالي. الحق لجانب القوي، فيما يجري تهميش القانون الدولي، انتهك النظام التركي أخلاقية حسن الجوار، دون الالتفات الى واقع التاريخ والجغرافية.
إن التوغل التركي الوقح دليل آخر على فشل الحكومات المتعاقبة منذ 2003 ليس في استعادة أركان الدولة العراقية، وتوفير حياة كريمة لسكانه، وإنما في إيجاد القوة العسكرية والمؤثرات الاقتصادية المدعومة من كافة أبناء الشعب العراقي، للدفاع عن حرمة البلاد وسيادتها، لقد ذهبت ثروات العراق ثاني أكبر دولة نفطية في العالم، إضافة الى المميزات الأخرى التي يحظى، في مهب الريح. ولم يعد خافياً إلى أين.
ولا تستبعد بعض التقارير بأنه من حيث المبدأ جرى الاتفاق بين بغداد والعراق للقيام بهذه العملية ،خلال الزيارة السرية لرئيس المخابرات التركية هاكان فيدان إلى بغداد، في 9 حزيران. وفي هذا الصدّد ، يعتبر المحللون تبادل المذكرات الدبلوماسية بين الطرفين، أولاً وقبل كل شيء، لا تعدو غير لعبة من جانب العراق "للحفاظ على ماء الوجه" ، وليس أكثر من ذلك ، ويؤكدون أن بغداد ، من حيث المبدأ ، تستفيد من ضعف التشكيلات المسلحة من حزب العمال الكردستاني المنتشرة في أراضيها، على أيدي الأتراك.
ويطرح عدد من الخبراء وجهة نظر مختلفة قليلاً، إن تصعيد العمليات التركية ضد المسلحين الأكراد الأتراك في شمالي العراق أظهر استعداد أنقرة لغزو الأراضي العراقية، حتى لو كانت تخاطر بتدمير العلاقات مع بغداد، ووصفت وزارة الدفاع التركية هذه العملية بأنها الأكبر في المنطقة على مدى السنوات الخمس الماضية. وعلى الرغم من أن تركيا هاجمت تشكيلات حزب العمال الكردستاني في شمالي العراق لسنوات عديدة، إلا أن نشر القوات البرية حدث غير عادي، ويوضح تصاعد مدى إلحاح وأهمية هذه العملية لإضعاف أصول حزب العمال الكردستاني بالنسبة لأنقرة في الوقت الحالي. وفي هذه الحالة يرى المحللون: من المهم للأتراك في ظروف تزايد النشاط القتالي المناهض لتركيا للأكراد في سوريا، تعطيل الطرق اللوجستية لوحدات قوات الدفاع عن النفس من قواعد حزب العمال الكردستاني.
وكما يعتقد الخبراء فإن قدرات الحكومة العراقية بدورها محدودة، وإنها غير قادرة على الصمود في وجه هذه العمليات العسكرية التركية، لكن مثل هذا التصعيد لا يزال يخاطر بإثارة توترات دبلوماسية بين تركيا والعراق، اعتماداً على مدة وشدة العمليات القتالية، وعلى الرغم من اعتراضها على هذه العمليات على أساس انتهاكها للسيادة العراقية ، فإن بغداد ليس لديها نفوذ اقتصادي على أنقرة، لأنها تعتمد جزئياً على تركيا في التجارة، بالإضافة إلى ذلك، لا تمارس الحكومة الفدرالية العراقية سيطرة إقليمية كاملة على الأرض العراقية ولا على جميع القوات المسلحة العاملة في المنطقة، ولكن إذا قامت تركيا بغزو الجنوب (من IK إلى الأراضي العراقية الفيدرالية) أو إذا قامت بعمليات بالقرب من النقاط الساخنة المتوترة ، مثل سنجار أو منطقة كركوك الغنية بالنفط ، فقد يشعر العراق بأنه مضطر للدفاع عن نفسه دبلوماسياً أو عسكرياً، على الرغم من عدم وجود احتمال للرد العسكري الفعال، وفي هذا الصدد ، يجري التأكيد على أن حدود العملية التركية قد تم الاتفاق عليها بوضوح مع بغداد. واتفق الطرفان خلال زيارة فيدان على هذا الأمر، ولا يمكن أن يقال عن تسوية عدد من المشاكل الاقتصادية. بما في ذلك دفع النفط المصدر من العراق إلى تركيا.
هناك إجماع بين المراقبين بأن تركيا ستواصل القيام بالعمليات العسكرية المعادية لتشكيلات حزب العمال الكردستاني في العراق ، وكذلك في سوريا المجاورة ، على الرغم من رد الفعل السلبي المتزايد على ذلك من الحكومات الإقليمية والغربية فيما يتعلق بتوسيع الوجود العسكري التركي في الخارج. وإذا زادت تركيا بشكل كبير من نشاطها العسكري في شمالي العراق ، فإنها تخاطر بالتعرض لعقوبات وإفساد علاقات دبلوماسية مع كل من جيرانها والدول الغربية، خاصة في ضوء الانتشارين الآخرين المثير للجدل لتركيا في ليبيا وسوريا. لكن أنقرة ستواصل مساعيها بمنع ظهور دولة كردية مستقلة داخل حدودها أو بالقرب منها، والتي تعتبرها تهديداً إقليمياً خطيراً وتهديداً لسيادتها. ووصفت السلطات التركية الرسمية زيادة عدد الهجمات ذات الصلة بحزب العمال الكردستاني على القواعد التركية في سوريا وجنوبي تركيا بأنها سبب بدء هذه المراحل الأخيرة من عملية المخلب. في الوقت نفسه، يجادل الخبراء بأنه ليس من الواضح لهم ما إذا كان هناك بالفعل مثل هذا الارتفاع الكبير في نشاط حزب العمال الكردستاني في الأراضي السورية والتركية.
ونقلت بوابة " غازيتا ـ رو" الإخبارية عن الفريق فاليري زابارينكو، نائب رئيس إدارة العمليات الرئيسية لهيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية ترجيحه بأن وحدات ووحدات سلاح الجيش السابع (المقر - ديار بكر) شاركت بشكل مباشر في الأعمال القتالية. وأشار القائد العسكري إلى أن فيلق الجيش السابع ، القوي للغاية من حيث القتال والقوة العددية، مسؤول عن معظم المحافظات الحدودية مع سوريا وإيران والعراق. وهي تشمل فرقة المشاة الثالثة، و 20 و 172 لواء مدرع ، و 16 و 70 لواء ميكانيكي، و 2 و 6 ألوية مشاة آلية ، بالإضافة إلى ألوية الحدود والجبال والكوماندوز. وأضاف: "إن تشكيلات حزب العمال الكردستاني، بطبيعة الحال ، غير قادرة على إبداء مقاومة كبيرة لمثل هذا الجيش القوي، الذي يعد أكثر استعداداً وفقًا لمعايير الناتو، ويعتقد فاليري زابارينكو أنه في عملية "بنس كارتال"، استغنى الأتراك حتى الآن بمشاركة القوات البرية، ويخلص القائد العسكري إلى أنه "فيما يتعلق بمعايير القانون الدولي وسيادة الدولة، في هذه الحالة بالذات، فإن القاعدة القديمة وغير المكشوف عنها تدخل حيز التطبيق - إن الطرف الذي لديه أكبر عدد من الفرق العسكرية يمتلك الحق".
وعلى الصعيد الدبلوماسي اكتفت الحكومة العراقية باستدعاء السفير التركي في بغداد لوزارة الخارجية العراقية لتسليمه مذكرة احتجاج أخرى فيما يتعلق بأعمال القوات المسلحة التركية في شمالي البلاد. جاء ذلك في 18 حزيران كما نشرت وزارة الخارجية العراقية على صفحتها على تويتر. في 15 حزيران ، أطلقت تركيا عملية المخلب ـ النمر الجوية في شمالي العراق . وتم وفق مختلف التقارير تدمير 81 قطعة من عناصر حزب العمال الكردستاني ، بما في ذلك الملاجئ والمخابئ. ورغم استدعاء وزارة الخارجية العراقية السفير التركي في بغداد فاتح يلدز في 16 حزيران ، حيث تسلم مذكرة احتجاج، تم اعتباراً من 17 حزيران نشر القوات الخاصة التركية في شمالي العراق. وتعمل القوات الخاصة حالياً في المنطقة بدعم نشط من الجو وتحت غطاء نيران المدفعية.