أ.د. ضياء نافع
ولد مارك لفوفيتش سلونيم عام 1894 في الامبراطورية الروسية وتوفي عام 1976 في فرنسا , وهو اسم معروف – بشكل أو بآخر - للقارئ العربي المتابع للادب الروسي ,
إذ صدر في مصر كتابه بعنوان – مجمل تاريخ الأدب الروسي بترجمة صفوت عزيز جرجيس ومراجعة علي أدهم , وأعيد طبعه مرة أخرى عام 2012 وبمقدمة د. أحمد الخميسي , وهذا الكتاب بالأصل أصدره سلونيم بثلاثة أجزاء باللغة الانكليزية وبعنوان – تاريخ الأدب الروسي , إلا أن الترجمة العربية وحّدت الأجزاء وأطلقت عليه عنوان - مجمل تاريخ الأدب الروسي , (علماً أن كتب سلونيم صدرت باللغات الروسية والفرنسية والانكليزية والايطالية والجيكية والصربية) . يعدّ هذا الكتاب ( أي تاريخ الأدب الروسي ) آخر إصدار للمؤلف في مجال الأدب الروسي , والذي صدر في أواسط الستينيات من القرن العشرين , أما كتابه الأول حول الادب الروسي فقد صدر باللغة الصربية عام 1931 بعنوان – بورتريتات الأدباء الروس المعاصرين ( البورتريه كما هو معروف - هي اللوحة التي تجسّد صورة شخص ما في الفن التشكيلي , وقد جمعناها – بورتريتات حفاظاً على العنوان الأصلي للكتاب طبعاً , رغم أن البعض لا يرى ذلك , و يترجم هذه المفردة - صور شخصية بالرسم ) , ثم أصدر بعد سنتين باللغة الروسية, أي في عام 1933 كتاباً في باريس بعنوان – بوروتريتات الأدباء السوفييت , ثم صدر له في نفس العام كتابه الثالث بعنوان – انطولوجيا الأدب الروسي , وفي عام 1944 صدر له كتاب بعنوان – الادباء اليهود في الادب السوفيتي , ثم صدر عام 1953 كتاب بعنوان – ثلاث قصص حب لدستويفسكي ( الترجمة الحرفية لعنوان هذا الكتاب هي – 3 حب لدستويفسكي ) , ومن الواضح تماماً , أن هذا الباحث في الأدب الروسي ( اي مارك سلونيم ) يمتلك مكانة متميزّة في هذه المجال , وإنه ساهم مساهمة كبيرة في دراسته و نشره وتوسيع آفاقه بين القراء , ولهذا نود هنا أن نقدم صورة متكاملة له – في إطار هذه المقالة الوجيزة - باعتباره باحثاً وناقداً أدبياً, لأن المصادر العربية تتكلم – قبل كل شيء – عن نشاطه السياسي , والذي أسهم به فعلاً مارك سلونيم عندما كان مشاركاً في أحداث ثورة شباط / فبراير 1917 الروسية , ثم في ثورة اكتوبر الاشتراكية عام 1917 أيضاً , إذ إنه كان عضواً في الحركة الاشتراكية الروسية , وهي الحركة التي اختلفت مع البلاشفة لاحقاً , مما أدى الى أن يترك سلونيم روسيا عام 1922 ويسافر الى الغرب مهاجراً , ولم يرجع الى روسيا بتاتاً , حيث توفي في فرنسا كما ذكرنا في بداية مقالتنا . مارك سلونيم باختصار وكما تعرّفه الموسوعة الروسية هو – ( .. كاتب روسي وأمريكي وناقد أدبي ومترجم وأستاذ جامعي وصحافي وشخصية سياسية ...) , ولكننا في مقالتنا هذه نتناول جانباً واحداً فقط وهو نشاطه في مجال الأدب الروسي وكما حددنا في عنوان المقالة .
نتوقف أولاً عند كتابه الأخير , وهو تاريخ الأدب الروسي , والذي كانت ترجمته العربية متوفرة لدينا في أوساط المهتمين بالادب الروسي بالعراق في السبعينيات من القرن الماضي, وقد استخدمه المرحوم د. محمد يونس كمصدر من مصادر كتابه المعروف– (الكلاسيكيون الروس و الأدب العربي ) , هذا الكتاب المهم جداً في مسيرة دراسة الأدب الروسي في العراق , وفي العالم العربي أيضاً ( انظر مقالتنا بعنوان – محمد يونس والادب الروسي في العراق ) , اذ ناقش د. محمد يونس آراء عدة باحثين غير سوفيت جاءت في كتبهم المترجمة الى العربية , ومنهم سلونيم , حول تاريخ الأدب الروسي من وجهة نظر سوفيتية درسها د. محمد يونس بعمق في جامعة موسكو آنذاك وبقي أميناً لها ، إن التعريف بهذا الكتاب يتطلب مقالة خاصة , إذ إنه يتناول كل تاريخ الأدب الروسي منذ بداياته الى كل الاسماء والظواهر البارزة فيه عبر كل العصور , بما فيها الفترة السوفيتية , ولكني اود ان اشيد بالمقدمة التي كتبها د. احمد الخميسي لهذا الكتاب بطبعة عام 2012 , والتي أشرت إليها في بداية المقالة , هذه المقدمة التي تعكس بلا شك عمق النظرة العلمية الشاملة للخميسي , وأريد أن أصل الى استنتاج مفاده , أن هذا الكتاب معروف للقارئ العربي بشكل عام , ولهذا أود أن انتقل للحديث قليلاً عن كتاب آخر لمارك سلونيم غير مترجم الى العربية , وهو كتاب صدر في باريس عام 1933 كما ذكرت أعلاه بعنوان – بورتريتات الأدباء السوفيت , وهو كتاب صدر في فترة لم تكن تميّز بين مصطلح الأدب الروسي بشكل دقيق ومصطلح الأدب السوفيتي .
يقع هذا الكتاب في 167 صفحة من القطع المتوسط , ويشير سلونيم في مقدمته أنه لا يهدف الى كتابة ( ..تاريخ الادب السوفيتي ..), وانما يسعى الى رسم صورة لمجموعة بارزة - من وجهة نظره - لاسماء من الأدباء الذين يكتبون الشعر والنثر , وقد وزّعهم على 12 فصلاً , وكل فصل يحمل اسم ذلك الكاتب , وهم حسب تسلسل هذا الكتاب كل من – يسينين وماياكوفسكي و باسترناك وايفانوف ورومانوف وتولستوي ( اليكسي ) و زوشنكو وايرنبورغ وفيدين وبيلينياك وبابل وليونوف . هذا كتاب مهم في مسيرة الأدب الروسي بعد ثورة اكتوبر 1917 , إذ إنه تناول اسماء أدباء كان ( مغضوب عليهم في الاتحاد السوفيتي) أو لم تتبلور كل خصائصهم ومعالمهم بعد ( في تلك الفترة , أي بداية الثلاثينيات ) , ولكن سلونيم بحكم معرفته الدقيقة للواقع الروسي استطاع أن يحدّدهم ويرسم صورة متكاملة لهم .
مارك سلونيم اسم يشغل مكانة متميّزة في دراسات الأدب الروسي , اسم جدير بالمتابعة رغم اختلاف الآراء معه في بعض الجوانب ...