علي حسين
كرّس مصطفى جواد حياته من أجل غنى اللغة العربية التي تعمّق فيها، حتى قال عنه مجمع اللغة العربية يؤبّنه: "كان عالمًا فذًّا وذوّاقًا للّغة وحريصًا على التعمّق فيها وإغنائها"، وكان دائم الرد على كل من يحاول أن يحطم أو يتجاهل معشوقته العربية، وذات يوم اختلف مع الشيخ جلال الحنفي حول أصل كلمة "مفلس".
لا أريد أن أصبح "برأسكم" ضليعًا في شؤون اللغة العربية وخفاياها، فأنا ما أزال أخلط بين المعلوم والمجهول، مثل معظم مسؤولينا الذين يبرعون في تسجيل كلّ كارثة تصيب هذا الشعب ضد السيد مجهول، لا جديد في الأمر سوى اختلاف صفة المجهول، مرّة بكواتم صوت لا تُرى بالعين المجرّدة، ومرّات أخرى مليارات نُهبت وحُوّلت إلى بنوك دول الجوار، فكان الإجراء هذه المرّة معلومًا "شدّوا" الأحزمة لا رفاهية ولا تنمية ولا مشاريع، أما الخدمات فلا تزال في المجهول .
منذ أن اعترف إفلاطون أنّ العدالة هي حكم الأكثر كفاءة، والناس يبحثون عن أصحاب الكفاءات الذين يملأون الأرض منجزًا وصدقًا، وكما أخبرنا صاحب الجمهورية يومًا، أن الدولة وجدت لتوفير حياة مرفّهة، أصر بناة البلدان على أنه لن تكون هناك حياة كريمة، مالم يتوفر لها رجال شجعان. وتذكر جنابك أنّ كلمة سراق حرّفناها لغويًا، فاعتبرنا السارق شجاعًا والنصّاب شجاعًا، والقاتل شجاعًا.
سيقضي ساساتنا جلّ وقتهم في التحايل على اللّغة العربيّة، ونراهم محتارين في كتابة عبارة التقشف، ولا يسألون لماذا اعتمدت سنغافورة على الكفاءات واعتمدنا الجهل! لأنّ الشعب السنغافوري لم يكن عنده مقدّسون يستعبدون الديمقراطية .
وثمة وطن من الفقراء ينمو كل يوم على مدى العراق، فيما يدور الجدل الكبير، ليس حول مال الشعب الذي نهب وغياب الخدمات ومأساة المستشفيات ، بل حول مناصب الهيئات التي تسمى مستقلة ، وهل يصلح " العلامة " حاكم الزاملي محافظا للبنك المركزي او نختار البروفيسورة حنان الفتلاوي ، منذ سبعة عشر عاما والدولة تحولت الى عصابات تسطو هي على أموال الناس، وقررت ان تعلن نهاية العراق الاقتصادي ، وان ترفع شعار حصتنا وحصتكم من المناصب التي يجلس عليها دمى تتحكم بمصائر الملايين .
كورونا تجتاح كل شيء وأولويات الكتل السيساسية : المناصب وحصة من وتسهيل العمولات وتصحير العراق وافلاسه ..
دولة لا تكفّ عن إصدار البيانات عن إنجازاتها، ولا تتمهل لحظة في إطلاق الوعود. ولأن اصحاب السيادة والمعالي يتنقلون في مواكب معتمة، فإنهم لا يشاهدون ما لم يشاهد المواطن البسيط : اطفال يفتسون في القمامة رجال يفتشون عن أطفالهم في أكياس القمامة، وآلاف آخرون ينتظرون من ينقلهم من حالة العدم ، الى حالة الكفاف .