علاء المفرجي
ميديين مدينة كولومبية اشتهرت في ثمانينيات القرن المنصرم بتجارة المخدرات وتهريبها. وكانت من أخطر مدن العالم، وخاصة بعد مقتل امبراطور المخدرات بابلو إسكوبار، ولكن حاول أبناؤها النهوض بها من جديد بأساليب عدة أهمها الثقافة والفنون.
فمديين المدينة التي ولد فيها اسكوبار الخارج عن القانون، بل والذي كان يتحكم بكولومبيا كلها،وأيضاً المدينة التي قتل فيها، في بيت كان مختبئ فيه وسطها، فرصاصة في رأسه تشير إلى أنه انتحر خلال الهجوم عليه.
كان إسكوبار يشبه نفسه بروبن هود في سرقته من الأغنياء ومنحه مساعدات للفقراء، حيث اعتادت المناطق الفقيرة والمهمشة من قبل الدولة على زيارات أسبوعية من إسكوبار ووالدته المعروفة بتدينها الشديد، محملين بمواد تموينية لتوزيعها على الأهالي. تلك الأفعال لا تنم عن تغطية لأفعال قذرة فحسب بل هي جزء من تركيبة شخصية جمعت تناقضات أفرزها تاريخ قاس وظروف اقتصادية واجتماعية صعبة.
مديين قتلت اسكوبار مرتين مرة بانتحاره فيها، واخرى بحساسية أهلها الشعرية بحسب رأي الشاعر الكولومبي فرناندو رندون الذي تلقى تهديدات عديدة من أطراف النزاع في ميديين سابقاً، ، حيث كان يستدعي شعراء من مختلف التوجهات، ومن بينهم يساريون، وهو ما كان يعتبر "شبهة" في عرف تلك القوات، ويعتبر أن المهرجان ونشاطاته على مدار العام قد ساهمت بإحلال السلام في المدينة، حيث أصبح الشعر ركناً أساسياً من أركانها، ويقول "انتهت الصراعات وبقي الشعر".
لكن مديين لاتعرف فقط شهرة اسكوبار فالكثير من مثقفي ميديين يرفضون اعتباره أسطورة، بل ويتعمدون إغفال ذكره كالشاعر الكولومبي خورخه أنخل الذي يؤكد اأن مديين لاتتوقف فيها الحياة عند إسكوبار،
فيكفي أن نذكر غابريل غارسيا ماركيز وعظمته الأدبية وشهرته التي طبقت الافاق، ونوبل التي حازها لميديين وكولومبيا. والمدينة ايضا تخلد بواحد من ابنائها موريس بوليفار محررها الذي طغت شهرته حدود كولومبيا نفسها الى امريكا الجنوبية فقد أسهم في تحرير فنزويلا والإكوادور وبيرو وبوليفيا وبنمامن الاستعمار الاسباني وأُطلق عليه جورج واشنطن أمريكا اللاتينية.
وجه آخر للمدينة فرناندو بوتيرو الذي يعتبر أيقونة الفن المعاصر،الفنان الذي اشتهر بكائناته الضخمة التي ميزته عن أي فنان قديم أو معاصر. هذا فضلاً عن مسارح ميديين وأفلامها السينمائية ومهرجانها الشعري.
رسم بوتيرو تاريخها فهو يوجزه تمثالان لعصفورين كان قد صمّمهما ابن المدينة الفنان الكولومبي فرناندو بوتيرو، في متنزه سان أنطونيو. ففي عام 1993 انفجرت قنبلة لم تصرح أي جهة بمسؤوليتها عن الحادث، لكن الأهالي يقولون إن المسؤول عادة عن تلك التفجيرات كان إما عصابات المخدرات أو القوات شبه العسكرية .
أودى ذلك الانفجار -وهو ليس الوحيد- بحياة مواطنين. وحين طلبت بلدية المدينة من بوتيرو تصميم مجسّم عصفور آخر عوضاً عن الذي تضرّر، اشترط أن يظلّ الأول شاهداً على تاريخ عنيف يحثّ المدينة على عدم العودة إليه، والثاني المكتمل يعد رمزاً لانتصار الجمال على العنف.
الثقافة والشعر خصوصاً، كانت بلسم مدينة مديين وكولومبيا ، بعد حرب أهلية طاحنة استمرت أكثر من خمسين عاماً.. فالصراعات تنتهي ويبقى الشعر..